إنْ لَمْ تَجِيئِي بِفُلَانٍ أَوْ إنْ لَمْ تَرُدِّي ثَوْبِي السَّاعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَاءَ فُلَانٌ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ بِنَفْسِهِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ قَبْلَ دَفْعِهَا لَا يَحْنَثُ، كَذَا إنْ لَمْ أَدْفَعْ إلَيْك الدِّينَارَ الَّذِي عَلَيَّ إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَكَذَا فَأَبْرَأَتْهُ قَبْلَ رَأْسِ الشَّهْرِ بَطَلَ الْيَمِينُ.
بَقِيَ مَا يُكْتَبُ فِي التَّعَالِيقِ مَتَى نَقَلَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ كَذَا أَوْ مِنْ بَاقِي صَدَاقِهَا، فَلَوْ دَفَعَ لَهَا الْكُلَّ هَلْ تَبْطُلُ؟ الظَّاهِرُ لَا لِتَصْرِيحِهِمْ بِصِحَّةِ بَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ وَالرُّجُوعِ بِمَا دَفَعَهُ
ــ
[رد المحتار]
أَمَرَ الْحَالِفُ أَوْ لَمْ يَأْمُرْ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ وُجِدَ الدُّخُولُ، وَفِي الثَّالِثِ عَلَى الدُّخُولِ بِعِلْمِ الْحَالِفِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ التَّرْكُ لِلدُّخُولِ، فَمَتَى عَلِمَ وَلَمْ يَمْنَعْ فَقَدْ تَرَكَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي أَيْمَانِ الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، فَتَعْلِيلُهُ لِلثَّانِي بِأَنَّهُ وُجِدَ الدُّخُولُ صَرِيحٌ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى نَفْسِ فِعْلِ الْغَيْرِ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ قَالَ لِغَيْرِهِ: وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا فَهُوَ حَالِفٌ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْهُ الْمُخَاطَبُ حَنِثَ إلَخْ فَعُلِمَ أَنَّهُ فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ دَارِهِ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ وَإِنْ نَهَاهُ الْحَالِفُ لِأَنَّهُ وُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ بِخِلَافِ لَا يَتْرُكُهُ يَدْخُلُ فَإِنَّ فِيهِ التَّفْصِيلَ الْمَارَّ؛ وَلَوْ جَرَى هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ دَارِي فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ لَوْ نَهَاهُ عَنْ الدُّخُولِ ثُمَّ دَخَلَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا وَأَمَرَهُ بِالْفِعْلِ فَلَمْ يَفْعَلْ لَا يَحْنَثُ. وَقَدْ يُجَابُ بِحَمْلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ فِي الْأَيْمَانِ فَيَمِينُهُ عَلَى النَّهْيِ إنْ لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ كَوْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ ظَالِمًا بِقَرِينَةِ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحَلِفِ عَلَى دَارِ الْحَالِفِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ مِلْكَ الْحَالِفِ أَوْ مِلْكَ غَيْرِهِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى زِيَادَةُ تَحْرِيرٍ لِهَذَا الْمَحَلِّ فِي الْأَيْمَانِ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضْنَا لِذِكْرِ ذَلِكَ هُنَا لِأَنَّ بَعْضَ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ اغْتَرَّ بِعِبَارَةِ الشَّارِحِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَيْمَانِ فَأَفْتَى بِعَدَمِ الْحِنْثِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ فِي قَوْلِهِ لَا يَدْخُلُ فُلَانٌ دَارِي، وَهُوَ مَا اُشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْحَلِفِ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ تَجِيئِي) بِفِعْلِ الْمُؤَنَّثَةِ الْمُخَاطَبَةِ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ح (قَوْلُهُ السَّاعَةَ) رَاجِعٌ إلَيْهِمَا، وَقَيَّدَ بِهَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَةَ لَا يَحْنَثُ فِيهَا إلَّا بِالْيَأْسِ بِنَحْوِ مَوْتِ الْحَالِفِ أَوْ ضَيَاعِ الثَّوْبِ ط (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ) لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ، وَقِيلَ يَحْنَثُ فِيهِمَا ط عَنْ الْبَحْرِ.
قُلْت: وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ لَمْ تَجِيئِي بِمَتَاعِ كَذَا غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَبَعَثَتْ الْمَرْأَةُ بِهِ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ فَإِنْ كَانَ نَوَى وُصُولَ الْمَتَاعِ إلَيْهِ غَدًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ لَفْظِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى حَمْلَهَا بِنَفْسِهَا حَنِثَ وَلَا يَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى الْوُصُولِ إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ (قَوْلُهُ بَطَلَ الْيَمِينُ) لِأَنَّهُ بَعْدَ إبْرَائِهَا مِنْهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا عَلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ (قَوْلُهُ مَا يُكْتَبُ فِي التَّعْلِيقِ) أَيْ مَا يَكْتُبُهُ الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ خَوْفِ الْمَرْأَةِ مِنْ نَقْلِهَا أَوْ تَزَوُّجِهِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ مَتَى نَقَلَهَا إلَخْ) جَوَابُ مَتَى مَحْذُوفٌ أَيْ فَهِيَ طَالِقٌ، وَقَوْلُهُ وَأَبْرَأَتْهُ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ عَلَى قَوْلِهِ نَقَلَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ دَفَعَ لَهَا الْكُلَّ) أَيْ كُلَّ الدَّيْنِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ مِنْ كَذَا أَوْ كُلَّ بَاقِي الصَّدَاقِ (قَوْلُهُ هَلْ تَبْطُلُ) أَيْ الْيَمِينُ الْمَذْكُورُ، وَوَجْهُ التَّوَقُّفِ أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطَيْنِ وَهُمَا النَّقْلُ وَالْإِبْرَاءُ أَوْ التَّزَوُّجُ وَالْإِبْرَاءُ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْآخَرِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ مَعَ أَنَّ الْمُبْرَأَ عَنْهُ قَدْ دَفَعَهُ لَهَا (قَوْلُهُ لِتَصْرِيحِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: الْإِبْرَاءُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ صَحِيحٌ لِأَنَّ السَّاقِطَ بِالْقَضَاءِ الْمُطَالَبَةُ لَا أَصْلُ الدَّيْنِ فَيَرْجِعُ الْمَدْيُونُ بِمَا أَدَّاهُ إذَا أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ وَإِذَا أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ فَلَا رُجُوعَ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَطْلَقَهَا. وَعَلَى هَذَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِإِبْرَائِهَا عَنْ الْمَهْرِ ثُمَّ دَفَعَهُ لَهَا لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ، فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ وَقَعَ وَرَجَعَ عَلَيْهَا. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ فِي ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ وَالدَّيْنُ يَقْضِي بِمِثْلِهِ أَيْ إذَا أَوْفَى مَا عَلَيْهِ لِغَرِيمِهِ ثَبَتَ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ مِثْلُ مَا لِغَرِيمِهِ عَلَيْهِ فَتَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ، فَإِذَا أَبْرَأَهُ غَرِيمُهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ سَقَطَ مَا بِذِمَّتِهِ لِغَرِيمِهِ فَتَثْبُتُ لَهُ مُطَالَبَةُ غَرِيمِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute