حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ لَا كَفَّارَةَ وَلَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ، إمَّا لِصِدْقِهِ أَوْ لِأَنَّهَا غَمُوسٌ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقَضَاءِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ الْأُولَى بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ حَنِثَ فِي الْيَمِينِ لِدُخُولِهَا فِي الْقَضَاءِ.
أَخَذَتْ مِنْ مَالِهِ دِرْهَمًا فَاشْتَرَتْ بِهِ لَحْمًا وَخَلَطَهُ اللَّحَّامُ بِدَرَاهِمِهِ وَقَالَ زَوْجُهَا إنْ لَمْ تَرُدِّيهِ الْيَوْمَ فَأَنْتِ كَذَا فَحِيلَتُهُ أَنْ تَأْخُذَ كِيسَ اللَّحْمِ وَتُسَلِّمَهُ لِلزَّوْجِ قَبْلَ مُضِيِّ الْيَوْمِ وَلَا حِنْثَ، وَلَوْ ضَاعَ مِنْ اللَّحْمِ فَمَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أُذِيبَ أَوْ سَقَطَ فِي الْبَحْرِ لَا يَحْنَثُ.
حَلَفَ إنْ لَمْ أَكُنْ الْيَوْمَ فِي الْعَالَمِ أَوْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فَكَذَا يُحْبَسُ وَلَوْ فِي بَيْتٍ حَتَّى يَمْضِيَ الْيَوْمُ، وَلَوْ حَلَفَ إنْ لَمْ يُخَرِّبْ بَيْتَ فُلَانٍ غَدًا فَقُيِّدَ وَمُنِعَ حَتَّى مَضَى الْغَدُ حَنِثَ وَكَذَا إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ فَكَذَا فَقُيِّدَ، أَوْ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِك إلَى مَنْزِلِي فَأَخَذَهَا فَهَرَبَتْ مِنْهُ، أَوْ إنْ لَمْ تَحْضُرِي اللَّيْلَةَ مَنْزِلِي فَكَذَا فَمَنَعَهَا أَبُوهَا حَنِثَ فِي الْمُخْتَارِ،
ــ
[رد المحتار]
بِمَا أَوْفَاهُ، فَقَدْ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ بَعْدَ الدَّفْعِ، فَلَا تَبْطُلُ الْيَمِينُ بَلْ يَتَوَقَّفُ الْوُقُوعُ عَلَى الْبَرَاءَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ وَبِأَنَّهُ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمَدْيُونُ لِعَدَمِ سُقُوطِ مَا بِذِمَّتِهِ بِذَلِكَ. وَأَمَّا لَوْ أَطْلَقَ فَيَنْبَغِي فِي زَمَانِنَا حَمْلُهَا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ لِعَدَمِ فَهْمِهِمْ غَيْرَهَا
(قَوْلُهُ حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا لَا يَدْخُلُ. وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ عَلَى الثَّانِي تَكُونُ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً لِكَوْنِهَا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ. وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ عَلَى الْمَاضِي لِتَنَاقُضِ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ.
فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الْأَيْمَانِ الَّتِي يُكَذِّبُ بَعْضُهَا بَعْضًا: حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَهَا الْيَوْمَ لَا كَفَّارَةَ وَلَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَحْنَثْ وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهِيَ يَمِينُ الْغَمُوسِ فَلَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ فَلَمْ يَصْرِفْهَا مُكَذِّبًا شَرْعًا، فَلَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ وَهُوَ عَدَمُ الدُّخُولِ؛ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ الْأُولَى بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ حَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ لِأَنَّ لَهَا مَدْخَلًا فِي الْقَضَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ) لِأَنَّهُ بِكُلٍّ زَعَمَ الْحِنْثَ فِي الْأُخْرَى كَمَا يَأْتِي فِي بَابِ عِتْقِ الْبَعْضِ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَلَوْ ضَاعَ مِنْ اللَّحَّامِ إلَخْ) هَذَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ عَنْ ذِكْرِ الْيَوْمِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُمْ يُشْتَرَطُ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ إمْكَانُ الْبِرِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُقَيَّدَةِ بِالْوَقْتِ فَعَدَمُهُ مُبْطِلٌ لَهَا أَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَعَدَمُهُ مُوجِبٌ لِلْحِنْثِ. اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُقَيَّدَةً بِالْوَقْتِ يَحْنَثُ بِمُضِيِّهِ إلَّا إذَا عَجَزَتْ عَنْ رَدِّهِ بِأَنْ ضَاعَ أَوْ أُذِيبَ أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُطْلَقَةً فَلَا يَحْنَثُ وَإِنْ ضَاعَ مَا دَامَا حَيَّيْنِ لِإِمْكَانِ وُجْدَانِهِ أَمَّا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أُذِيبَ أَوْ سَقَطَ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ، وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ أَكُنْ إلَخْ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ، وَقَدْ رَاجَعْت عِبَارَةَ الصَّيْرَفِيَّةِ فَرَأَيْت فِيهَا إنْ أَكُنْ بِدُونِ لَمْ وَهُوَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ يُحْبَسُ إلَخْ) سَوَاءٌ حَبَسَهُ الْقَاضِي أَوْ الْوَلِيُّ لِأَنَّ الْحَبْسَ يُسَمَّى نَفْيًا قَالَ تَعَالَى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: ٣٣] بَحْرٌ عَنْ الصَّيْرَفِيَّةِ أَيْ فَإِنَّ الْآيَةَ مَحْمُولَةٌ عِنْدَنَا عَلَى الْحَبْسِ.
مَطْلَبٌ الْمَحْبُوسُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا
وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ الْوَزِيرَ ابْنَ مُقْلَةَ لَمَّا حَبَسَهُ الرَّاضِي بِاَللَّهِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ أَنْشَدَ قَوْلَهُ:
خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا ... فَلَسْنَا مِنْ الْمَوْتَى نُعَدُّ وَلَا الْأَحْيَا
إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ ... فَرِحْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا