ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فَرْعُ صِحَّةِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، حَتَّى لَوْ كَانَ بِلَا وَلِيٍّ بَلْ بِعِبَارَةِ الْمَرْأَةِ، أَوْ بِلَفْظِ هِبَةٍ، أَوْ بِحَضْرَةِ فَاسِقَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَرَادَ حِلَّهَا بِلَا زَوْجٍ
ــ
[رد المحتار]
وَأُورِدَ عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَعَ اشْتِرَاطِ التَّحْلِيلِ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَفَاعِلُ الْحَرَامِ لَا يَسْتَوْجِبُ اللَّعْنَ فَفَاعِلُ الْمَكْرُوهِ أَوْلَى.
مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ لَعْنِ الْعُصَاةِ
أَقُولُ: حَقِيقَةُ اللَّعْنِ الْمَشْهُورَةُ هِيَ الطَّرْدُ عَنْ الرَّحْمَةِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا لِكَافِرٍ، وَلِذَا لَمْ تَجُزْ عَلَى مُعَيَّنٍ لَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ عَلَى الْكُفْرِ بِدَلِيلٍ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا مُتَهَوِّرًا كَيَزِيدَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، بِخِلَافِ نَحْوِ إبْلِيسَ وَأَبِي جَهْلٍ فَيَجُوزُ وَبِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَالظَّالِمِينَ وَالْكَاذِبِينَ فَيَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُرَادَ جِنْسُ الظَّالِمِينَ وَفِيهِمْ مَنْ يَمُوتُ كَافِرًا، فَيَكُونُ اللَّعْنُ لِبَيَانِ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ وَصْفُ الْكَافِرِينَ لِلتَّنْفِيرِ عَنْهُ وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُ لَا لِقَصْدِ اللَّعْنِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لِأَنَّ لَعْنَ الْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ كَهَذَا الظَّالِمِ لَا يَجُوزُ فَكَيْفَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الظَّالِمِينَ، وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ الْجِنْسَ لِمَا قُلْنَا مِنْ التَّنْفِيرِ وَالتَّحْذِيرِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَعْصِيَةُ حَرَامًا مِنْ الْكَبَائِرِ، خِلَافًا لِمَنْ أَنَاطَ اللَّعْنَ بِالْكَبَائِرِ فَإِنَّهُ وَرَدَ اللَّعْنُ فِي غَيْرِهَا كَلَعْنِ الْمُصَوِّرِينَ، وَمَنْ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَمَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ: أَيْ تَغَوَّطَ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْمَرْأَةِ السَّلْتَاءِ أَيْ الَّتِي لَا تُخَضِّبُ يَدَهَا وَالْمَرْهَاءِ أَيْ الَّتِي لَا تَكْتَحِلُ، وَالْمَرْأَةِ إذَا خَرَجَتْ مِنْ دَارِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، وَنَاكِحِ الْيَدِ، وَزَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَمَنْ جَلَسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهُ مَا هُنَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى مَنْعِ لَعْنِ الْمُعَيَّنِ مَشْرُوعِيَّةُ اللِّعَانِ وَفِيهِ لَعْنُ مُعَيَّنٍ، نَعَمْ يُجَابُ بِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ كَاذِبًا لَكِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ لَعْنِ مُعَيَّنٍ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي لِعَانِ الْقُهُسْتَانِيِّ قَالَ: اللَّعْنُ فِي الْأَصْلِ الطَّرْدُ. وَشَرْعًا فِي حَقِّ الْكُفَّارِ الْإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ الْإِسْقَاطُ عَنْ دَرَجَةِ الْأَبْرَارِ. اهـ.
وَفِي لِعَانِ الْبَحْرِ: فَإِنْ قُلْت: هَلْ يُشْرَعُ لَعْنُ الْكَاذِبِ الْمُعَيَّنِ. قُلْت: قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ بَابِ الْعِدَّةِ: وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ، وَالْمُبَاهَلَةُ: الْمُلَاعَنَةُ، وَكَانُوا يَقُولُونَ إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ بَهْلَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِ مِنَّا، قَالُوا: هِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي زَمَانِنَا أَيْضًا اهـ. وَعَنْ هَذَا قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِاللَّعْنِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الطَّرْدُ عَنْ مَنَازِلِ الْأَبْرَارِ لَا عَنْ رَحْمَةِ الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ. وَقِيلَ: إنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ حَقِيقَةَ اللَّعْنِ هُنَا لَيْسَتْ بِمَقْصُودَةٍ بَلْ الْمَقْصُودُ إظْهَارُ خَسَاسَةِ الْمُحَلِّلِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْمُحَلَّلِ لَهُ بِالْعَوْدِ إلَيْهَا بَعْدَ مُضَاجَعَةِ غَيْرِهِ، وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي الْكَشْفِ ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ كَلَامٌ فَتَأَمَّلْ اهـ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ) أَيْ كُلُّ مَا مَرَّ مِنْ لُزُومِ التَّحْلِيلِ بِالشُّرُوطِ الْمَارَّةِ وَكَرَاهَةِ التَّصْرِيحِ بِالشَّرْطِ (قَوْلُهُ: فَرْعُ صِحَّةِ النِّكَاحِ) كَذَا عَبَّرَ فِي النَّهْرِ، وَالْمُرَادُ صِحَّتُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ لَا صِحَّتُهُ عِنْدَنَا بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ فَافْهَمْ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَاسِدًا، أَوْ مَوْقُوفًا لَا يَلْزَمُ التَّحْلِيلُ بَلْ تَحِلُّ بِدُونِهِ وَإِنْ كُرِهَ، وَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْفَسَادَ عِنْدَنَا لِإِسْقَاطِ التَّحْلِيلِ؟ لَمْ أَرَهُ الْآنَ، نَعَمْ يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى بَعْدَ الثَّلَاثِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً قُبِلَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَا يُصَدَّقَانِ وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْعِدَّةِ وَتَأْتِي هُنَاكَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ: أَوْ بِحَضْرَةِ فَاسِقَيْنِ) أَيْ تَحَقَّقَ فِسْقُهُمَا وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْعَدَالَةِ يَكْفِي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَافْهَمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute