للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُرْفَعُ الْأَمْرُ لِشَافِعِيٍّ فَيَقْضِي بِهِ وَبِبُطْلَانِ النِّكَاحِ: أَيْ فِي الْقَائِمِ وَالْآتِي لَا فِي الْمُنْقَضِي بَزَّازِيَّةٌ. وَفِيهَا قَالَ الزَّوْجُ الثَّانِي كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا، أَوْ لَمْ أَدْخُلْ بِهَا وَكَذَّبَتْهُ فَالْقَوْلُ لَهَا.

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِي حِيلَةِ إسْقَاطِ التَّحْلِيلِ بِحُكْمٍ شَافِعِيٍّ بِفَسَادِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ: يُرْفَعُ الْأَمْرُ لِشَافِعِيٍّ إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ مَا حَرَّرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ بِفَسْخِ النِّكَاحِ بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ التَّحْلِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَوْ تَوَافَقَا، أَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً بِفَسَادِ النِّكَاحِ لَمْ يُلْتَفَتْ لِذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ التَّحْلِيلِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، نَعَمْ يَجُوزُ لَهُمَا الْعَمَلُ بِهِ بَاطِنًا، لَكِنْ إذَا عَلِمَ بِهِمَا الْحَاكِمُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَحِينَئِذٍ فَمَنْ نَكَحَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، فَإِنْ قَلَّدَا الْقَائِلَ بِصِحَّتِهِ، أَوْ حَكَمَ بِهَا مَنْ يَرَاهَا ثُمَّ طَلَّقَ ثَلَاثًا تَعَيَّنَ التَّحْلِيلُ وَلَيْسَ لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ يَرَى بُطْلَانَهُ لِأَنَّهُ تَلْفِيقٌ لِلتَّقْلِيدِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ قَطْعًا وَإِنْ انْتَفَى التَّقْلِيدُ وَالْحُكْمُ لَمْ يُحْتَجْ لِمُحَلِّلٍ، نَعَمْ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى بَعْدَ الثَّلَاثِ عَدَمَ التَّقْلِيدِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ رَفْعَ التَّحْلِيلِ الَّذِي لَزِمَهُ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ فِعْلِهِ.

وَأَيْضًا فَفِعْلُ الْمُكَلَّفِ يُصَانُ عَنْ الْإِلْغَاءِ لَا سِيَّمَا إنْ وَقَعَ مِنْهُ مَا يُصَرِّحُ بِالِاعْتِدَادِ بِهِ كَالتَّطْلِيقِ ثَلَاثًا هُنَا. اهـ. وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ مِنْ كَلَامَيْهِ أَنَّ الزَّوْجَ إنْ عَلِمَ بِفَسَادِ النِّكَاحِ فَإِنْ قَلَّدَ الْقَائِلَ بِصِحَّتِهِ، أَوْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ يَرَاهَا لَا يَسْقُطُ التَّحْلِيلُ وَإِلَّا سَقَطَ وَلَهُ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ بَعْدَ الثَّلَاثِ دِيَانَةً، وَإِذَا عَلِمَ بِهِ الْحَاكِمُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ ادَّعَى عَدَمَ التَّقْلِيدِ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْحَاكِمُ. وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ يُرْفَعُ الْأَمْرُ لِشَافِعِيٍّ إذْ لَا يَحْكُمُ الشَّافِعِيُّ بِسُقُوطِ التَّحْلِيلِ وَلَا يَقْبَلُ مَا يُسْقِطُهُ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ فِي حَاشِيَةِ التُّحْفَةِ: إنَّ لَهُ تَقْلِيدَ شَافِعِيٍّ وَالْعَقْدَ بِلَا مُحَلِّلٍ لِأَنَّ هَذِهِ قَضِيَّةٌ أُخْرَى فَلَا تَلْفِيقَ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّةِ التَّقْلِيدِ الْأَوَّلِ حَاكِمٌ. اهـ.

قُلْت: لَكِنْ هَذَا فِي الدِّيَانَةِ، لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إذَا عَلِمَ بِهِ لِأَنَّ التَّحْلِيلَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، نَعَمْ صَرَّحَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ بِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْمُسَمَّى وَمَهْرِ الْمِثْلِ وَأُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى فَسَادِهِ يَثْبُتُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَيَسْقُطُ التَّحْلِيلُ تَبَعًا اهـ لَكِنْ اسْتَظْهَرَ ابْنُ حَجَرٍ عَدَمَ سُقُوطِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قُلْت: يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِهِ عِنْدَنَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ. قُلْت: لَا يُمْكِنُ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْقُضَاةُ مَأْمُورُونَ بِالْحُكْمِ بِأَصَحِّ الْأَقْوَالِ، عَلَى أَنَّهُ نَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ سُئِلَ هَلْ يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِهِ فَقَالَ لَا أَدْرِي، فَإِنَّ مُحَمَّدًا وَإِنْ شَرَطَ الْوَلِيَّ، لَكِنَّهُ قَالَ: لَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِنِّي أَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ اهـ أَيْ فَإِنَّ لَفْظَ " أَكْرَهُ " قَدْ يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْمُجْتَهِدِ فِي الْحَرَامِ (قَوْلُهُ: فَيَقْضِي بِهِ) أَيْ بِحِلِّهَا الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: وَبِبُطْلَانِ النِّكَاحِ عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبِّبٍ فَإِنَّ قَضَاءَهُ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ سَبَبٌ لِحِلِّهَا بِلَا زَوْجٍ آخَرَ اهـ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَضَاءَ لِتَصِيرَ الْحَادِثَةُ الْخِلَافِيَّةُ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهَا ط وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ التَّعْلِيقِ مَا يَنْبَغِي اسْتِذْكَارُهُ هُنَا وَلَا نُعِيدُهُ لِقُرْبِ الْعَهْدِ بِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْقَائِمِ وَالْآتِي لَا فِي الْمُنْقَضِي) عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى مَا فِي النَّهْرِ: وَبِهِ لَا يَظْهَرُ أَنَّ الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ كَانَ حَرَامًا، وَأَنَّ فِي الْأَوْلَادِ خُبْثًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ اللَّاحِقَ كَدَلِيلِ النَّسْخِ يُعْمَلُ فِي الْقَائِمِ وَالْآتِي لَا فِي الْمُنْقَضِي اهـ أَيْ لِأَنَّ مَا مَضَى كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِقَادِ الْحِلِّ تَقْلِيدًا لِمَذْهَبٍ صَحِيحٍ. وَإِنَّمَا الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ الْمَلْزُومِ، كَمَا لَوْ نُسِخَ حُكْمٌ إلَى آخَرَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ مَا مَضَى، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ تَغَيَّرَ رَأْيُ الْمُجْتَهِدِ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ حَنَفِيٌّ وَلَمْ يَنْوِ وَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ ثُمَّ صَارَ شَافِعِيًّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْوُضُوءِ بِالنِّيَّةِ دُونَ مَا صَلَّاهُ بِهِ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لَهَا) كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ: ادَّعَتْ أَنَّ الثَّانِيَ جَامَعَهَا وَأَنْكَرَ الْجِمَاعَ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ وَعَلَى الْقَلْبِ لَا اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتَاوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>