وَقَدْ جَوَّزَ أَصْحَابُنَا مَسَّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ لِلْمُحْدِثِ، وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ كَوْنِ الْأَكْثَرِ تَفْسِيرًا أَوْ قُرْآنًا، وَلَوْ قِيلَ بِهِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ لَكَانَ حَسَنًا قُلْت: لَكِنَّهُ يُخَالِفُ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ.
[فُرُوعٌ]
الْمُصْحَفُ إذَا صَارَ بِحَالٍ لَا يُقْرَأُ فِيهِ يُدْفَنُ كَالْمُسْلِمِ، وَيُمْنَعُ النَّصْرَانِيُّ مِنْ مَسِّهِ، وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ إذَا اغْتَسَلَ وَلَا بَأْسَ بِتَعْلِيمِهِ الْقُرْآنَ وَالْفِقْهَ عَسَى يَهْتَدِي. وَيُكْرَهُ وَضْعُ الْمُصْحَفِ تَحْتَ رَأْسِهِ إلَّا لِلْحِفْظِ وَالْمِقْلَمَةِ عَلَى الْكِتَابِ إلَّا لِلْكِتَابَةِ. وَيُوضَعُ النَّحْوُ ثُمَّ التَّعْبِيرُ
ــ
[رد المحتار]
أَيْ فَيُكْرَهُ مَسُّهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ، كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالتُّحْفَةِ فَتَلَخَّصَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ - قَالَ ط: وَمَا فِي السِّرَاجِ أَوْفَقُ بِالْقَوَاعِدِ. اهـ. أَقُولُ: الْأَظْهَرُ وَالْأَحْوَطُ الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَيْ كَرَاهَتُهُ فِي التَّفْسِيرِ دُونَ غَيْرِهِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ فِي التَّفْسِيرِ أَكْثَرُ مِنْهُ فَيُغَيِّرُهُ، وَذِكْرُهُ فِيهِ مَقْصُودٌ اسْتِقْلَالًا لَا تَبَعًا، فَشَبَهُهُ بِالْمُصْحَفِ أَقْرَبُ مِنْ شَبَهِهِ بِبَقِيَّةِ الْكُتُبِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي التَّفْسِيرِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ الْقُرْآنُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَبَعْضِ نُسَخِ الْكَشَّافِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قِيلَ بِهِ) أَيْ بِهَذَا التَّفْصِيلِ، بِأَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ لَا يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ يُكْرَهُ. وَالْأَوْلَى إلْحَاقُ الْمُسَاوَاةِ بِالثَّانِي، وَهَذَا التَّفْصِيلُ رُبَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ.
(قَوْلُهُ: قُلْت لَكِنَّهُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ قِيلَ بِهِ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ مُطْلَقٌ، فَتَقْيِيدُ الْكَرَاهَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ مُخَالِفٍ لَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْرَاكَ غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ عَلَى كَرَاهَةِ مَسِّ التَّفْسِيرِ وَهَذَا عَلَى تَقْيِيدِ الْكَرَاهَةِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: فَتَدَبَّرْ) لَعَلَّهُ يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ ادِّعَاءُ تَقْيِيدِ إطْلَاقِ الْمَتْنِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ، فَلَا يُنَافِي دَعْوَى التَّفْصِيلِ.
(قَوْلُهُ: يُدْفَنُ) أَيْ يُجْعَلُ فِي خِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ وَيُدْفَنُ فِي مَحَلٍّ غَيْرِ مُمْتَهَنٍ لَا يُوطَأُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَدَ لَهُ وَلَا يُشَقُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ، وَفِي ذَلِكَ نَوْعُ تَحْقِيرٍ إلَّا إذَا جُعِلَ فَوْقَهُ سَقْفٌ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ التُّرَابُ إلَيْهِ فَهُوَ حَسَنٌ أَيْضًا اهـ. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْكُتُبِ فَسَيَأْتِي فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يُمْحَى عَنْهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَيُحْرَقُ الْبَاقِي وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تُلْقَى فِي مَاءٍ جَارٍ كَمَا هِيَ أَوْ تُدْفَنُ وَهُوَ أَحْسَنُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: كَالْمُسْلِمِ) فَإِنَّهُ مُكْرَمٌ، وَإِذَا مَاتَ وَعُدِمَ نَفْعُهُ يُدْفَنُ وَكَذَلِكَ الْمُصْحَفُ، فَلَيْسَ فِي دَفْنِهِ إهَانَةٌ لَهُ، بَلْ ذَلِكَ إكْرَامٌ خَوْفًا مِنْ الِامْتِهَانِ.
(قَوْلُهُ: وَيُمْنَعُ النَّصْرَانِيُّ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْكَافِرُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ الْحَرْبِيُّ أَوْ الذِّمِّيُّ.
(قَوْلُهُ: مِنْ مَسِّهِ) أَيْ الْمُصْحَفِ بِلَا قَيْدِهِ السَّابِقِ.
(قَوْلُهُ: وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ إذَا اغْتَسَلَ) جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعِنْدَهُمَا يُمْنَعُ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ وَضْعُ الْمُصْحَفِ إلَخْ) وَهَلْ التَّفْسِيرُ وَالْكُتُبُ الشَّرْعِيَّةُ كَذَلِكَ؟ يُحَرَّرُ ط. أَقُولُ: الظَّاهِرُ نَعَمْ كَمَا تُفِيدُهُ الْمَسْأَلَةُ التَّالِيَةُ، ثُمَّ رَأَيْته فِي كَرَاهِيَةِ الْعَلَامِيِّ.
(قَوْلُهُ: إلَّا لِلْحِفْظِ) أَيْ حِفْظِهِ مِنْ سَارِقٍ وَنَحْوِهِ. [تَنْبِيهٌ]
سُئِلَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَمَّنْ اُضْطُرَّ إلَى مَأْكُولٍ وَلَا يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِوَضْعِ الْمُصْحَفِ تَحْتَ رِجْلِهِ. فَأَجَابَ: الظَّاهِرُ الْجَوَازُ لِأَنَّ حِفْظَ الرُّوحِ مُقَدَّمٌ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ؛ وَلِذَا لَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى الْغَرَقِ وَاحْتِيجَ إلَى الْإِلْقَاءِ أُلْقِيَ الْمُصْحَفُ حِفْظًا لِلرُّوحِ وَالضَّرُورَةُ تَمْنَعُ كَوْنَهُ امْتِهَانًا كَمَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى السُّجُودِ لِصَنَمٍ حِفْظًا لِرُوحِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمِقْلَمَةِ) أَيْ الدَّوَاةِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا لِلْكِتَابَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْوَضْعِ.
(قَوْلُهُ: وَيُوضَعُ إلَخْ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ رِعَايَةً لِلتَّعْظِيمِ.
(قَوْلُهُ: النَّحْوُ) أَيْ كُتُبُهُ وَاللُّغَةُ مِثْلُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ التَّعْبِيرُ) أَيْ تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا كَابْنِ سِيرِينَ