فُرُوعٌ] :
أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَلْفَ مَرَّةٍ تَقَعُ وَاحِدَةٌ. طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ نَاوِيًا اثْنَيْنِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ كَرَّرَهُ مَرَّتَيْنِ وَنَوَى بِالْأَوَّلِ طَلَاقًا وَبِالثَّانِي يَمِينًا صَحَّ. قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْت كَذَا، وَوُجِدَ الشَّرْطُ وَقَعَ الثَّلَاثُ.
قَالَ لَهُمَا: أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى فِي إحْدَاهُمَا ثَلَاثًا وَفِي الْأُخْرَى وَاحِدَةً فَكَمَا نَوَى بِهِ يُفْتَى، وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ. قَالَ: أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ حَنِثَ بِوَطْءِ كُلٍّ. وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِوَطْئِهِمَا، وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى.
ــ
[رد المحتار]
الْكُلَّ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِذَا كَانَ لَا خِلَافَ فِي قَوْلِهِ امْرَأَتِي طَالِقٌ فِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى وَاحِدَةٍ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي امْرَأَتِي حَرَامٌ، وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا صَرِيحًا وَالْآخَرِ كِنَايَةً لَا يُوجِبُ الْفَرْقَ، وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ " أَنْتِ عَلَيْهِ حَرَامٌ " يَخُصُّ الْمُخَاطَبَةَ وَفِي أَنَّ " كُلُّ حِلٍّ عَلَيْهِ حَرَامٌ " يَعُمُّ الْأَرْبَعَ لِصَرِيحِ أَدَاةِ الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ، وَفِي: امْرَأَتُهُ حَرَامٌ، أَوْ طَالِقٌ يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي نَحْوِ: حَلَالُ اللَّهِ، أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ، فَقِيلَ يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ نَظَرًا إلَى صُورَةِ أَفْرَادِهِ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَعُمُّ الْكُلَّ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ، فَافْهَمْ وَاغْنَمْ هَذَا التَّقْرِيرَ الْفَرِيدَ، وَانْزِعْ عَنْك قِلَادَةَ التَّقْلِيدِ.
(قَوْلُهُ: تَقَعُ وَاحِدَةٌ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَكْرِيرِ هَذَا اللَّفْظِ أَلْفَ مَرَّةٍ وَهُوَ لَوْ كَرَّرَهُ لَا يَقَعُ إلَّا الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ، بِخِلَافِ مَا مَرَّ قُبَيْلَ طَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ فِيمَا لَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ مِرَارًا، أَوْ أُلُوفًا لِأَنَّهُ صَرِيحٌ وَالصَّرِيحُ إذَا تَكَرَّرَ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ، وَلِذَا قُيِّدَ بِالْمَدْخُولِ بِهَا لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: نَاوِيًا ثِنْتَيْنِ) أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَقَوْلُهُ: تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الثِّنْتَيْنِ عَدَدٌ مَحْضٌ، وَلَفْظُ حَرَامٍ لَا يَحْتَمِلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةً لِأَنَّهُ فِي حَقِّهَا الْفَرْدُ الِاعْتِبَارِيُّ، وَفِي قَوْلِهِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فَإِنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ، وَالْوَاقِعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَتَقَعُ ثِنْتَانِ تَكْمِلَةً لِلثَّلَاثِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ أَيْ بِنِيَّتِهِ وَإِنْ وَقَعَ بِلَفْظِهِ تَأَمَّلْ. وَفِيهِ رَدٌّ أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ ثِنْتَانِ إذَا نَوَاهُمَا مَعَ الْأُولَى كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ بَابِ الصَّرِيحِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ (قَوْلُهُ: وَبِالثَّانِي يَمِينًا) أَيْ إيلَاءً وَقَوْلُهُ: صَحَّ: أَيْ مَا نَوَى لِأَنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا، أَوْ أَطْلَقَ وَانْصَرَفَ إلَى الطَّلَاقِ كَمَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ بَائِنٌ وَالْبَائِنُ لَا يَلْحَقُ مِثْلَهُ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَقَعَ الثَّلَاثُ) لِأَنَّ الْبَائِنَ يَلْحَقُ الْبَائِنَ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَصْلُحُ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ.
(قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ) وَعِبَارَتُهُ قَالَ: لِامْرَأَتَيْهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ فِي إحْدَاهُمَا وَالْوَاحِدَةَ فِي الْأُخْرَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَلَوْ قَالَ: نَوَيْت الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُمَا وَالْيَمِينَ فِي الْأُخْرَى عِنْدَ الثَّانِي يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا وَعِنْدَهُمَا كَمَا نَوَى. قَالَ لِثَلَاثٍ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ فِي الْوَاحِدَةِ وَالْيَمِينَ فِي الثَّانِيَةِ وَالْكَذِبَ فِي الثَّالِثَةِ طَلُقْنَ ثَلَاثًا، وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ الثَّانِي، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا نَوَى. اهـ. (قَوْلُهُ: حَنِثَ بِوَطْءِ كُلٍّ) يَعْنِي يَكُونُ إيلَاءً مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَهَذَا عَلَى غَيْرِ الْمُفْتَى بِهِ، وَعَلَى الْمُفْتَى بِهِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ. اهـ. ح أَيْ لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ طَلَاقٌ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى) الْفَرْقُ هُوَ أَنَّ هَتْكَ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِوَطْئِهِمَا، وَفِي قَوْلِهِ أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ صَارَ إيلَاءً بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّحْرِيمِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute