(وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ) فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلَوْ بِلَفْظِ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْعِمَادِيُّ وَغَيْرُهُ
(وَالْمُبَارَأَةُ) أَيْ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (كُلَّ حَقٍّ)
ــ
[رد المحتار]
بَعْدَ إبْرَائِهَا إيَّاهُ مِنْ الْمَهْرِ، فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهَا إذَا قَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الزَّوْجِ شَيْءٌ، وَفِي مُنْيَةِ الْفُقَهَاءِ: خَلَعْتُكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنْ الدَّيْنِ وَقَبِلَتْ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَجِبَ شَيْءٌ وَيَبْطُلَ الدَّيْنُ اهـ مَا فِي الْمُجْتَبَى، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ صِحَّةَ إيجَابِ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ.
(قَوْلُهُ: فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ) ذَكَرَهُ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ وَإِلَّا فَقَدْ أَخْرَجَ الْفَاسِدَ أَوَّلَ الْبَابِ بِقَوْلِهِ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ أَفَادَهُ ط، وَقَدَّمْنَا قَوْلَيْنِ فِي سُقُوطِ الْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الْفَاسِدِ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ خَلَعَهَا عَلَى مَهْرِهَا لَمْ يَسْقُطْ الْمَهْرُ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهَا بَعْدَ الْخُلْعِ شَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّتْ فَخَالَعَهَا (قَوْلُهُ: كَمَا اعْتَمَدَهُ الْعِمَادِيُّ وَغَيْرُهُ) أَيْ كَصَاحِبِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فَإِنَّهُ صَحَّحَ أَنَّهُ يُسْقِطُ الْمَهْرَ كَالْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ، وَصَحَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ إلَّا بِذِكْرِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوَّلَ الْبَابِ " خِلَافًا لِلْخَانِيَّةِ " تَبِعَ فِيهِ قَوْلَ الْبَحْرِ وَإِنْ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ تَرْجِيحِ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ قَاضِيَ خَانْ مِنْ أَجَلِّ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ: وَالْمُبَارَأَةُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْبَرَاءَةِ، وَتَرْكُ الْهَمْزَةِ خَطَأٌ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ بَرِئْت مِنْ نِكَاحِكِ بِكَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَارَأْتُكِ عَلَى أَلْفٍ فَتَقْبَلَ نَهْرٌ.
قُلْت: وَمَا فِي الْفَتْحِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ، ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ: قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بَارَأَهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا بَرِئْت مِنْ نِكَاحِك وَقَعَ الطَّلَاقُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ بِهِ شَيْءٌ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ بَدَلًا لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى قَبُولِهَا فَيَقَعَ بِهِ الْبَائِنُ وَلَا يَكُونَ مُسْقِطًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ خَلَعْتُك، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ، أَوْ ذَكَرَ لَهُ بَدَلًا فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ حَتَّى يَكُونَ مُسْقِطًا، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَا نَقَلَهُ أَوَّلًا عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ الْمُصَرِّحِ فِيهِ بِذِكْرِ الْبَدَلِ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا فَافْهَمْ.
[تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَوَّلَ الْبَابِ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الْخُلْعِ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا عَنْ الْجَوْهَرَةِ التَّصْرِيحَ بِهِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ قَالُوا: إنَّهُ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ صَارَ كَالصَّرِيحِ، فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَإِنَّ الْمُبَارَأَةَ إذَا غَلَبَ فِيهَا الِاسْتِعْمَالُ فَهِيَ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ الْوَاقِعَ بِالْخُلْعِ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ سَوَاءٌ نَوَى الْوَاحِدَةَ، أَوْ الثِّنْتَيْنِ، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ، وَإِنْ أَخَذَ عَلَيْهِ جُعَلًا لَمْ يُصَدَّقْ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ، قَالَ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ: وَالْمُبَارَأَةُ بِمَنْزِلَةِ الْخُلْعِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَيْ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ بِأَنْ تَقُولَ لَهُ: بَارِئْنِي فَيَقُولَ لَهَا: بَارَأْتُكِ، أَوْ يَقُولَ لَهَا ذَلِكَ وَتَقُولَ هِيَ قَبِلْتُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ، فَالْمُرَادُ مَا يَعُمُّ الْإِبْرَاءَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْقَبُولَ مِنْ الْآخَرِ ط (قَوْلُهُ: كُلَّ حَقٍّ) شَمِلَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ وَالْمَاضِيَةَ وَالْكِسْوَةَ كَذَلِكَ وَكَذَا الْمُتْعَةُ تَسْقُطُ بِلَا ذِكْرٍ، وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى مَهْرِهَا، أَوْ بَعْضِهِ وَكَانَ مَقْبُوضًا فَإِنَّهَا تَرُدُّهُ وَلَا تَبْرَأُ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ الْبَرَاءَةَ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُمْ مَا عَدَا بَدَلَ الْخُلْعِ، وَالْمَهْرُ بَدَلُهُ فَلَا تَبْرَأُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مَالًا آخَرَ بَحْرٌ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْقُطُ إلَّا مَا سَمَّيَاهُ فِيهِمَا أَيْ فِي الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمُبَارَأَةِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْخُلْعِ مُلْتَقًى.
مَطْلَبٌ: حَاصِلُ مَسَائِلِ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَجْهًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْبَدَلَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَسْكُوتًا عَنْهُ، أَوْ مَنْفِيًّا أَوْ مُثْبَتًا عَلَى الزَّوْجِ، أَوْ عَلَيْهَا بِمَهْرِهَا كُلِّهِ، أَوْ بَعْضِهِ أَوْ مَالٍ آخَرَ، وَكُلٌّ مِنْ السِّتَّةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا، أَوْ لَا، وَكُلٌّ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute