وَشَرْعًا (تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ) فَلَا ظِهَارَ لِذِمِّيٍّ عِنْدَنَا (زَوْجَتَهُ) وَلَوْ كِتَابِيَّةً، أَوْ صَغِيرَةً، أَوْ مَجْنُونَةً (أَوْ) تَشْبِيهُ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا مِنْ أَعْضَائِهَا، أَوْ تَشْبِيهُ (جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهَا بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهِ تَأْبِيدًا) بِوَصْفٍ لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ،
ــ
[رد المحتار]
فَرُكُوبُ الْأُمِّ مُسْتَعَارٌ مِنْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ ثُمَّ شَبَّهَ رُكُوبَ الزَّوْجَةِ بِرُكُوبِ الْأُمِّ الْمُمْتَنِعِ، وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ لَطِيفَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: رُكُوبُكِ لِلنِّكَاحِ حَرَامٌ عَلَيَّ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا تَشْبِيهُ الْمُسْلِمِ إلَخْ) شَمِلَ التَّشْبِيهَ الصَّرِيحَ وَالضِّمْنِيَّ، كَمَا لَوْ كَانَتْ امْرَأَةَ رَجُلٍ ظَاهَرَ مِنْهَا زَوْجُهَا فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ فُلَانَةَ يَنْوِي ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَقَالَ لِلْأُخْرَى: أَشْرَكْتُكِ فِي ظِهَارِهَا، أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ هَذِهِ نَاوِيًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُظَاهِرًا وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَعْدَ التَّكْفِيرِ لِتَضَمُّنِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَشَمِلَ الْمُعَلَّقَ وَلَوْ بِمَشِيئَتِهَا وَالْمُؤَقَّتَ بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ مَثَلًا كَمَا سَيَأْتِي بَحْرٌ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ أَنْتِ أُمِّي بِلَا تَشْبِيهٍ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنْ نَوَى كَمَا سَيَأْتِي.
وَالْمُرَادُ بِالْمُسْلِمِ الْعَاقِلُ - وَلَوْ حُكْمًا - الْبَالِغُ، فَلَا يَصِحُّ ظِهَارُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمَدْهُوشِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْمُغْمًى عَلَيْهِ وَالنَّائِمُ، وَيَصِحُّ مِنْ السَّكْرَانِ وَالْمُكْرَهِ وَالْمُخْطِئِ وَالْأَخْرَسِ بِإِشَارَتِهِ الْمُفْهِمَةِ وَلَوْ بِكِتَابَةِ النَّاطِقِ الْمُسْتَبِينَةِ، أَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ نَهْرٌ، وَلَوْ ظَاهَرَ ثُمَّ ارْتَدَّ بَقِيَ ظِهَارُهُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَلَا ظِهَارَ لِذِمِّيٍّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ وَيَصِحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ط (قَوْلُهُ: زَوْجَتَهُ) شَمِلَ الْأَمَةَ، وَخَرَجَتْ مَمْلُوكَتُهُ وَالْأَجْنَبِيَّةُ إلَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُبَانَةُ بِوَاحِدَةٍ، أَوْ ثَلَاثٍ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: حَتَّى لَوْ عَلَّقَ الظِّهَارَ بِشَرْطٍ ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْعِدَّةِ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا لِأَنَّهُ وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ صَادِقٌ فِي التَّشْبِيهِ، بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ الْمُعَلَّقَةِ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا تَنْقِيصُ الْعَدَدِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كِتَابِيَّةً) الْأَوْلَى وَلَوْ كَافِرَةً لِيَشْمَلَ الْمَجُوسِيَّةَ. فَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: أَسْلَمَ زَوْجُ الْمَجُوسِيَّةِ فَظَاهَرَ مِنْهَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا صَحَّ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ، وَدَخَلَ فِيهِ الرَّتْقَاءُ وَالْمَدْخُولَةُ وَغَيْرُهَا كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَعْضَائِهَا) كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَشْبِيهُ جُزْءٍ شَائِعٍ) كَنِصْفِك وَنَحْوِهِ. وَالْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ، أَوْ تَشْبِيهُهُ جُزْءًا شَائِعًا بِالْإِضَافَةِ إلَى ضَمِيرِ الْفَاعِلِ، وَنَصَبَ جُزْءًا شَائِعًا لِأَنَّهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَعْطُوفٌ عَلَى " زَوْجَتَهُ " الْمَنْصُوبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهِ) أَيْ بِعُضْوٍ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ أَعْضَاءِ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ نَسَبًا، أَوْ صِهْرِيَّةً أَوْ رَضَاعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ، أَوْ بِجُمْلَتِهَا كَأَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي فَإِنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالظَّهْرِ وَزِيَادَةٌ كَمَا يَأْتِي، لَكِنَّ هَذَا كِنَايَةٌ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ النِّيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كَوْنِ الْجُزْءِ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَرَأْسِ أُمِّي، أَوْ وَجْهِهَا، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ الْمُشَبَّهَةِ فَإِنَّهُ يَكْفِي ذِكْرُ الْجُزْءِ الَّذِي يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ النَّظَرُ إلَيْهِ كَرَأْسِكِ فَتَنَبَّهْ، وَخَرَجَ بِالْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ الْأُخْرَى وَأَمَتُهُ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ الْعُضْوِ الظَّهْرَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِاسْمِ الظِّهَارِ تَغْلِيبًا لِلظَّهْرِ لِأَنَّهُ كَانَ الْأَصْلَ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ، وَقَيَّدَ فِي النِّهَايَةِ التَّحْرِيمَ بِكَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ احْتِرَازًا عَنْ أُمِّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَبِنْتِهَا، فَلَوْ شَبَّهَهَا بِهِمَا لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا وَعَزَاهُ إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، لَكِنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ مُظَاهِرًا قِيلَ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ. قَالَ الْقَاضِي ظَهِيرُ الدِّينِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، لَكِنْ رَجَّحَ الْعِمَادِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ نَهْرٌ.
مَطْلَبٌ مَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى نَفَاذِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِحِلِّ نِكَاحِهَا وَعَدَمِهِ لَا عَلَى كَوْنِ الْحُرْمَةِ مُجْمَعًا عَلَيْهَا، أَوْ لَا، بَلْ عَلَى كَوْنِهَا يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ، أَوْ لَا، وَعَدَمُ تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ لِوُجُودِ الْإِجْمَاعِ، أَوْ النَّصِّ الْغَيْرِ الْمُحْتَمِلِ لِلتَّأْوِيلِ بِلَا مُعَارَضَةِ نَصٍّ آخَرَ فِي نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُعَارَضَةُ ثَابِتَةً فِي الْوَاقِعِ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ فِي كَوْنِ الْمَحَلِّ يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَفِي نَفَاذِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِخِلَافِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِوَصْفٍ) الْبَاءُ لِسَبَبِيَّةِ التَّحْرِيمِ، أَوْ التَّأْبِيدِ (قَوْلُهُ: لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute