بِأَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ (أَوْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ) وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ (وَلَمْ تَحِضْ) الشَّابَّةُ الْمُمْتَدَّةُ بِالطُّهْرِ بِأَنْ حَاضَتْ ثُمَّ امْتَدَّ طُهْرُهَا، فَتَعْتَدُّ بِالْحَيْضِ إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِنَّ الْإِيَاسِ جَوْهَرَةٌ وَغَيْرُهَا، وَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ انْقِضَائِهَا بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ فَلَا يُفْتَى بِهِ.
كَيْفَ وَفِي نِكَاحِ الْخُلَاصَةِ: لَوْ قِيلَ لِحَنَفِيٍّ مَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي كَذَا وَجَبَ أَنْ يَقُولَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَذَا، نَعَمْ لَوْ قَضَى مَالِكِيٌّ بِذَلِكَ نَفَذَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَقَدْ نَظَمَهُ شَيْخُنَا الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ سَالِمًا مِنْ النَّقْدِ فَقَالَ:
لِمُمْتَدَّةٍ طُهْرًا بِتِسْعَةِ أَشْهُرْ ... وَفَا عِدَّةٍ إنْ مَالِكِيٌّ يُقَدِّرْ
ــ
[رد المحتار]
عُلِمَ أَنَّ الْعِدَّةَ انْقَضَتْ مِنْ حِينِ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ (قَوْلُهُ: بِأَنْ بَلَغَتْ سِنَّ الْإِيَاسِ) سَيَأْتِي تَقْدِيرُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: أَوْ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ) أَيْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ط عَنْ الْعِنَايَةِ، وَمِثْلُهَا لَوْ بَلَغَتْ بِالْإِنْزَالِ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَقَوْلُهُ: وَلَمْ تَحِضْ شَامِلٌ لِمَا إذَا لَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا، أَوْ رَأَتْ وَانْقَطَعَ قَبْلَ التَّمَامِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة بَلَغَتْ فَرَأَتْ يَوْمًا دَمًا ثُمَّ انْقَطَعَ حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَعِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ. اهـ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ تَحِضْ حُكِمَ بِإِيَاسِهَا وَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ حَاضَتْ) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ امْتَدَّ طُهْرُهَا) أَيْ سَنَةً، أَوْ أَكْثَرَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: مِنْ انْقِضَائِهَا بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ) سَنَةٌ مِنْهَا مُدَّةُ الْإِيَاسِ وَثَلَاثَةٌ مِنْهَا لِلْعِدَّةِ. وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيِّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِوَفَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ سَنَةٍ كَامِلَةٍ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ لِمُدَّةِ الْإِيَاسِ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ. قُلْت: وَلِذَا عَبَّرَ فِي الْمَجْمَعِ بِالْحَوْلِ. مَطْلَبٌ فِي الْإِفْتَاءِ بِالضَّعِيفِ:
(قَوْلُهُ: فَلَا يُفْتَى بِهِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالتَّقْلِيدُ جَائِزٌ بِشَرْطِ عَدَمِ التَّلْفِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ حَسَنٌ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ بَلْ وَمَعَ التَّلْفِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُنْلَا ابْنُ فَرُّوخَ فِي رِسَالَةٍ.
قُلْت: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَرُّوخَ رَدَّهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي رِسَالَةٍ خَاصَّةٍ، وَالتَّقْلِيدُ وَإِنْ جَازَ بِشَرْطِهِ فَهُوَ لِلْعَامِلِ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمُفْتِي لِغَيْرِهِ، فَلَا يُفْتِي بِغَيْرِ الرَّاجِحِ فِي مَذْهَبِهِ، لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي رَسْمِ الْمُفْتِي بِقَوْلِهِ: وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي إلَّا أَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ عَنْ الْحُكْمِ، وَالْقَاضِيَ مُلْزِمٌ بِهِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ وَالْفُتْيَا بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ جَهْلٌ وَخَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ التَّقْلِيدِ بَعْدَ الْعَمَلِ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا إلَخْ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَجَبَ أَنْ يَقُولَ إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ، وَبُنِيَ عَلَى ذَلِكَ وُجُوبُ اعْتِقَادِ أَنَّ مَذْهَبَهُ صَوَابٌ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ، وَأَنَّ مَذْهَبَ غَيْرِهِ خَطَأٌ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ؛ فَإِذَا سُئِلَ عَنْ حُكْمٍ لَا يُجِيبُ إلَّا بِمَا هُوَ صَوَابٌ عِنْدَهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجِيبَ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ وَقَدَّمْنَا فِي دِيبَاجَةِ الْكِتَابِ تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ قَضَى مَالِكِيٌّ بِذَلِكَ نَفَذَ) لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، وَهَذَا كُلُّهُ رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ: وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَعَلَى مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ قَضَى قَاضٍ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَعْدَ مُضِيِّ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ نَفَذَ اهـ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ خُصُوصًا قُضَاةُ زَمَانِنَا (قَوْلُهُ: لِمُمْتَدَّةٍ) بِالتَّنْوِينِ وَنَصْبِ " طُهْرًا " عَلَى التَّمْيِيزِ ط (قَوْلُهُ: وَفَا عِدَّةً) بِقَصْرِ " وَفَا " لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ: بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَالْجُمْلَةُ دَلِيلُ جَوَابِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ إنْ مَالِكِيٌّ يُقَدِّرُ يَعْنِي إنْ حَكَمَ الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ بِتَقْدِيرِ التِّسْعَةِ أَشْهُرٍ لِمُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ كَانَ هَذَا الْمِقْدَارُ عِدَّتَهَا وَمِنْ بَعْدِهِ: أَيْ مِنْ بَعْدِ قَضَاءِ الْقَاضِي الْمَالِكِيِّ بِهَذَا الْمِقْدَارِ لَا وَجْهَ لِنَقْضِ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ حُكْمَهُ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَقَضَاؤُهُ رَفَعَ الْخِلَافَ. اهـ. ح. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: إنْ مَالِكِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute