وَحِينَئِذٍ فَمَبْدَؤُهَا مِنْ وَقْتِ الثُّبُوتِ وَالظُّهُورِ.
(وَ) مَبْدَؤُهَا (فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ) بَعْدَ التَّفْرِيقِ مِنْ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، ثُمَّ لَوْ وَطِئَهَا حُدَّ جَوْهَرَةٌ وَغَيْرُهَا، وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا بِكَوْنِهِ بَعْدَ الْعِدَّةِ لِعَدَمِ الْحَدِّ بِوَطْءِ الْمُعْتَدَّةِ (أَوْ) الْمُتَارَكَةِ.
ــ
[رد المحتار]
التَّعْلِيلُ ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ تَعْلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ " نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ "، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْهِدَايَةِ. وَذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُكَرَّرٌ بِمَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا لَوْ كَتَمَ طَلَاقَهَا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ بَعْدَ زَمَانٍ كَمَا مَرَّ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ " وَلِذَا " - بِاللَّامِ - وَهِيَ أَوْلَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَتَمَهُ ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ فَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْإِسْنَادِ بَلْ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ سَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ، أَوْ كَذَّبَتْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْتُمْهُ بَلْ أَقَرَّ بِهِ مِنْ وَقْتِ وُقُوعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بَيْنَ النَّاسِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ اشْتَهَرَ بَيْنَهُمْ تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ حِينِ وُقُوعِهِ وَتَنْقَضِي إنْ كَانَ زَمَانُهَا مَضَى، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةِ ظَنِّ الْحِلِّ وَإِلَّا وَجَبَتْ بِالْوَطْءِ عِدَّةً أُخْرَى وَتَدَاخَلَتَا كَمَا مَرَّ، وَكَذَا كُلَّمَا وَطِئَهَا تَجِبُ عِدَّةٌ أُخْرَى فَلَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ مَا لَمْ تَمْضِ عِدَّةُ الْوَطْءِ الْأَخِيرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوَطْءُ بِلَا شُبْهَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ عِدَّةً لِتَمَحُّضِهِ زِنًا وَالزِّنَا لَا يُوجِبُ عِدَّةً كَمَا مَرَّ، فَلَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ الطَّلَاقِ: أَيْ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ مُشْتَهِرًا وَمَضَتْ عِدَّتُهُ كَمَا عَلِمْته وَإِلَّا فَلَا، وَلُحُوقُ الثَّلَاثِ بَعْدَ هَذِهِ الطَّلْقَةِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَمَبْدَؤُهَا مِنْ وَقْتِ الثُّبُوتِ وَالظُّهُورِ) أَيْ وَحِينَ إذْ عَلِمْت هَذَا التَّفْصِيلَ الَّذِي ذَكَرْنَا حَاصِلَهُ ظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ إذَا لَمْ يَكُنْ الطَّلَاقُ فِيهَا مُشْتَهِرًا يَكُونُ مَبْدَأُ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الثُّبُوتِ أَيْ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ وَظُهُورِهِ بَيْنَهُمْ، قَوْلُهُ " وَالظُّهُورِ " عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ يَكُونُ مَبْدَؤُهَا مِنْ وَقْتِ إقْرَارِهِ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ مُسْتَثْنَاةً أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ: وَمَبْدَأُ الْعِدَّةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُشْتَهِرًا مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْإِقْرَارَ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ بِمَعْنَى الْإِشْهَارِ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ حِينِ التَّطْلِيقِ، هَكَذَا يَنْبَغِي حَلُّ هَذَا الْمَقَامِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَمَبْدَؤُهَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ إلَخْ) وَقَالَ زُفَرُ: مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ لِأَنَّ الْوَطْءَ هُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ.
وَلَنَا أَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْعِدَّةِ شُبْهَةُ النِّكَاحِ وَرَفْعُ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِالتَّفْرِيقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَبَعْدَهُ يَجِبُ، فَلَا تَصِيرُ شَارِعَةً فِي الْعِدَّةِ مَا لَمْ تَرْتَفِعْ الشُّبْهَةُ بِالتَّفْرِيقِ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. اهـ. سَائِحَانِيٌّ.
قُلْتُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِمَبْدَإِ الْعِدَّةِ فِي الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ بِلَا عَقْدٍ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ عِنْدَ زَوَالِ الشُّبْهَةِ، بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ زَوْجَتِهِ، وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إذْ لَا عَقْدَ هُنَا فَلَمْ يَبْقَ سَبَبٌ لِلْعِدَّةِ سِوَى الْوَطْءِ الْمَذْكُورِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: بَعْدَ التَّفْرِيقِ مِنْ الْقَاضِي) أَيْ عَقِبَهُ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِي زَمَانٍ يَصْلُحُ لِابْتِدَائِهَا فَلَا يُشْكِلُ بِمَا إذَا فُرِّقَ فِي الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا بَعْدَهُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثِ حِيَضٍ أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالتَّفْرِيقِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِهِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا إلَخْ) أَقُولُ: لَوْ كَانَ مُرَادُهُمْ وُجُوبَ الْحَدِّ إذَا كَانَ الْوَطْءُ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَمْ يَبْقَ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ، إذْ هَذَا حُكْمُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَيُعْلَمُ مِنْهُ الْفَاسِدُ بِالْأَوْلَى، وَقَدْ نَازَعَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ يُقَالُ: هَذِهِ الْعِدَّةُ تُخَالِفُ غَيْرَهَا فِي هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهَا أَثَرُ نِكَاحٍ فَاسِدٍ كَمَا خَالَفَتْهُ فِي أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ. اهـ. وَأَيْضًا فَقَدْ رَدَّهُ السَّائِحَانِيُّ بِأَنَّ هَذَا الْبَحْثَ - وَإِنْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ - فِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ فَهْمِ تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مَا مَرَّ فِي الرَّدِّ عَلَى زُفَرَ مِنْ ارْتِفَاعِ الشُّبْهَةِ بِالتَّفْرِيقِ إلَخْ أَيْ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ التَّفْرِيقِ مَا يَنْدَرِئُ بِهِ الْحَدُّ. وَرَدَّهُ الرَّحْمَتِيُّ أَيْضًا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ دَرْءَ الْحَدِّ قَبْلَ التَّفْرِيقِ بِشُبْهَةِ الْعَقْدِ، وَالْعِدَّةُ بَعْدَهُ تَكُونُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، بِخِلَافِ عِدَّةِ الثَّلَاثِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ إذَا ظَنَّ الْحِلَّ فَإِنَّهَا شُبْهَةُ الْفِعْلِ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ فِي بَيْتِهِ، وَنَفَقَتُهُ دَارَّةٌ عَلَيْهَا وَهُنَا لَا نَفَقَةَ وَلَا احْتِبَاسَ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute