عَلَيْهَا (عِدَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ) لِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ لِبَقَاءِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْعِدَّةُ، وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْعَشْرِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي، وَقَوْلُ زُفَرَ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فَتَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ أَبْطَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا يَطُولُ وَجَزَمَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمُقَلِّدَ إذَا خَالَفَ مَشْهُورَ مَذْهَبِهِ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِي الْأَصَحِّ.
ــ
[رد المحتار]
قَبْلَ الْوَطْءِ وَالْخَلْوَةِ ح (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ إلَخْ) أَيْ فَيَنُوبُ عَنْ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ الثَّانِي كَالْغَاصِبِ إذَا اشْتَرَى الْمَغْصُوبَ الَّذِي فِي يَدِهِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، فَكَانَ طَلَاقًا بَعْدَ الدُّخُولِ.
لَا يُقَالُ: الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ يَمْلِكُ بِهِ الرَّجْعَةَ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ هُنَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إقَامَتِهِ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ فِي حَقِّ الرَّجْعَةِ كَالْخَلْوَةِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ فِي حَقِّهِمَا وَلَمْ تُقَمْ مَقَامَ مِلْكِ الرَّجْعَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ.
قُلْت: وَأَيْضًا فَإِنَّ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ بَائِنٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَكَيْفَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِي عِدَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي رَجْعِيًّا (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الْعَشْرِ) وَهِيَ لَوْ تَزَوَّجَ مُعْتَدَّتَهُ مِنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، أَوْ مُعْتَدَّتَهُ مِنْ فَاسِدٍ فَهَذِهِ ثِنْتَانِ مَرَّ بَيَانُهُمَا.
ثَالِثُهَا تَزَوَّجَ مُعْتَدَّتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَكُونُ فَارًّا.
رَابِعُهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَنَكَحَهَا فِي الْعِدَّةِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا قَبْلَ الدُّخُولِ.
خَامِسُهَا تَزَوَّجَ صَغِيرَةً، أَوْ أَمَةً وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ فَبَلَغَتْ، أَوْ عَتَقَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ.
سَادِسُهَا تَزَوَّجَ الصَّغِيرَةَ، أَوْ الْأَمَةَ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِالْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ.
سَابِعُهَا تَزَوَّجَ مُعْتَدَّتَهُ فَارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَاقِي الصُّوَرِ وَقَعَ فِي الْبَحْرِ مُكَرَّرًا بَلْ الصُّورَتَانِ الْأُولَيَانِ وَاحِدَةٌ فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ سِتَّةٌ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ: الدُّخُولُ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي فِي مَسَائِلَ.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي الثَّانِي) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لَا يَكُونُ دُخُولًا فِي الثَّانِي فَلَا عِدَّةَ مُبْتَدَأَةٌ وَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ، لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ تَكْمِيلُ الْعِدَّةِ الْأُولَى. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجِبُ. اهـ. ح أَيْ فَتَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ فَيَصْلُحُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ عِدَّةِ الْمُحَلِّلِ، بِأَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ يَعْقِدَ عَلَيْهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَحِلَّ لِلْأَوَّلِ بِلَا عِدَّةٍ (قَوْلُهُ: أَبْطَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا يَطُولُ) نَقَلَ ح عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ بِطُولِهَا.
وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ قَالَ: وَقَدْ يَقَعُ كَثِيرًا فِي دِيَارِنَا الْعَمَلُ بِقَوْلِ زُفَرَ مِنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ لَا خَوْفَ لَهُمْ طَمَعًا فِي تَحْصِيلِ الْحُطَامِ الْفَانِي. قَالَ الْكَمَالُ فِي فَتْحِهِ: وَمَا قَالَهُ زُفَرُ فَاسِدٌ لِاسْتِلْزَامِهِ إبْطَالَ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِيَّتِهَا وَهُوَ عَدَمُ اشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مُجْتَهَدٌ فِيهِ بَلْ صَرَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِصَرِيحِ قَوْله تَعَالَى - {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩]-. اهـ.
وَالْوَجْهُ عِنْدِي فِي هَذَا الزَّمَانِ عَدَمُ نَفَاذِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَقَعُ لِأَخْذِ الْمَالِ بِمُقَابَلَتِهِ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا. وَقَدْ سُئِلَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْكَرْخِيُّ عَمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ مِنْ الْأَخْذِ بِقَوْلِ زُفَرَ بِعَدَمِ الْعِدَّةِ فَقَالَ: قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: إنَّ مَا قَالَهُ زُفَرُ فَاسِدٌ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنْ زُفَرَ أَنَّهُ يُوَافِقُ الْمَشَايِخَ الثَّلَاثَةَ فِي عَدَمِ حِلِّ الْوَطْءِ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْعِدَّةِ وَإِنْ صَحَّ نِكَاحُهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ حِلُّ الْوَطْءِ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ زُفَرَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي يَفْعَلُهُ