كَمَا لَوْ ارْتَشَى إلَّا إنْ نَصَّ السُّلْطَانُ عَلَى الْعَمَلِ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ فَيَسُوغُ فَيَصِيرُ حَنَفِيًّا زُفَرِيًّا، وَهَذَا لَمْ يَقَعْ بَلْ الْوَاقِعُ خِلَافُهُ فَلْيُحْفَظْ.
(ذِمِّيَّةٌ غَيْرُ حَامِلٍ طَلَّقَهَا ذِمِّيٌّ، أَوْ مَاتَ عَنْهَا لَمْ تَعْتَدَّ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (إذَا اعْتَقَدُوا ذَلِكَ) لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ (وَلَوْ) كَانَتْ الذِّمِّيَّةُ (حَامِلًا تَعْتَدُّ بِوَضْعِهِ) اتِّفَاقًا، وَقَيَّدَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِمَا إذَا اعْتَقَدُوهَا.
(وَ) الذِّمِّيَّةُ (لَوْ طَلَّقَهَا مُسْلِمٌ) أَوْ مَاتَ عَنْهَا (تَعْتَدُّ) اتِّفَاقًا مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَعْتَقِدُهُ.
(وَكَذَا لَا تَعْتَدُّ مَسْبِيَّةٌ افْتَرَقَتْ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ) لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ إنَّمَا وَجَبَتْ حَقًّا لِلْعِبَادِ، وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ (إلَّا الْحَامِلَ) .
ــ
[رد المحتار]
قُضَاةُ زَمَانِنَا لَا كَثَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ فَيُزَوِّجُونَ فِي حَالَةِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الِاسْتِئْجَالِ وَلَا يَنْظُرُونَ إلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا ارْتَشَى فِي حَادِثَةٍ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيهَا، وَالْمُقَلِّدُ إذَا خَالَفَ إمَامَهُ فِي مَسْأَلَةٍ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَمُرَادُ مَنْ قَالَ بِنَفَاذِ حُكْمِ الْقَاضِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ. قَالَ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ: لَا خَفَاءَ أَنَّ عِلْمَ قُضَاتِنَا لَيْسَ بِشُبْهَةٍ فَضْلًا عَنْ الْحُجَّةِ. قَالَهُ عَنْ قُضَاةِ زَمَانِهِ وَبِلَادِهِ، فَكَيْفَ الْيَوْمَ وَأَكْثَرُهُمْ جَاهِلُونَ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْجَرَاءَةِ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا عِلْمٍ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْمُقَلِّدِ إلَّا اتِّبَاعُ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَلَا سِيَّمَا الَّذِي يَقُولُ لَهُ السُّلْطَانُ: وَلَّيْتُكَ الْقَضَاءَ عَلَى مَذْهَبِ فُلَانٍ، وَقَدْ عَمِلَ الْمُتَأَخِّرُونَ بِقَوْلِ زُفَرَ فِي مَسَائِلَ مَعْرُوفَةٍ لِمُوَافَقَتِهَا الدَّلِيلَ وَالْعُرْفَ وَأَعْرَضُوا عَنْ هَذِهِ لِمَا فِيهَا مِنْ خَطَرِ الشُّبْهَةِ لِاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ، وَلَقَدْ صَحِبْتُ الْعُلَمَاءَ الْعَامِلِينَ الْأَكَابِرَ قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً فَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ أَفْتَى بِهَا وَلَا حَكَمَ بِهَا وَلَا سَمِعْتُهُ عَنْهُمْ، فَجَزَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا وَقَدَّسَ أَرْوَاحَهُمْ، حَيْثُ اجْتَنَبُوا مَا يَرِيبُ وَاسْتَمْسَكُوا بِمَا لَا يَرِيبُ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ نَصَّ السُّلْطَانُ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْقَاضِي مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ تَصِحُّ إذَا نَصَّ لَهُ السُّلْطَانُ؛ مَعَ أَنَّا قَدَّمْنَا فِي هَذَا الْبَابِ مَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ وَالْفُتْيَا بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ جَهْلٌ وَخَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: طَلَّقَهَا ذِمِّيٌّ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُسْلِمِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: لَمْ تَعْتَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَلَوْ تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ فِي فَوْرِ طَلَاقِهَا جَازَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْرٌ.
قُلْت: وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُسْلِمًا حَيْثُ تَعْتَدُّ مَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا حَقُّهُ وَمُعْتَقَدُهُ: أَيْ إنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا تَجِبُ حَقًّا لِلزَّوْجِ، فَإِذَا كَانَ كَافِرًا لَا يَعْتَقِدُهَا لَا تَجِبُ لَهُ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا فَتَجِبُ لِأَجْلِ حَقِّهِ وَاعْتِقَادِهِ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا ذِمِّيٌّ مِثْلُهَا وَكَانَ لَا يَعْتَقِدُهَا، وَبِهِ سَقَطَ مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ بَابِ نِكَاحِ الْكَافِرِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِي وُجُوبِهَا إذَا تَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا إلَخْ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا لِنَفْسِهِ لِتَحْصِينِ مَائِهِ وَلَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا لِكَافِرٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْتَقِدُ مَا ثَبَتَ عِنْدَ مُجْتَهِدِهِ، نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ هُنَاكَ الذِّمِّيُّ إذَا أَبَانَ امْرَأَتَهُ الذِّمِّيَّةَ فَتَزَوَّجَهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ مِنْ سَاعَتِهِ ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَلَا يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ نِكَاحُهَا بَاطِلٌ حَتَّى تَعْتَدَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَعْتَقِدُونَ) فَحَيْثُ لَمْ يَعْتَقِدُوهَا حَقًّا لِأَنْفُسِهِمْ لَا نُلْزِمُهُمْ بِهَا أَيْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمُعْتَقَدِهِمْ، فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ الْوَلْوَالِجِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ مُطْلَقًا بِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ. وَعَنْ الْإِمَامِ: يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَلَا يَطَؤُهَا كَالْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. اهـ. مَا فِي الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) أَيْ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ، وَقَوْلُهُ: مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءً كَانَتْ حَائِلًا، أَوْ حَامِلًا مِنَحٌ، وَسَوَاءً اعْتَقَدَتْهَا هِيَ، أَوْ لَا.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَعْتَقِدُهُ) أَيْ يَعْتَقِدُ لُزُومَ الِاعْتِدَادِ مِنْ نِكَاحِهِ فَكَانَتْ حَقَّ آدَمِيٍّ، فَتُخَاطَبُ بِهِ الذِّمِّيَّةُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ) حَتَّى كَانَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ، هِدَايَةٌ أَيْ وَالْجَمَادُ لَا يُرَاعَى وَإِنْ اعْتَقَدَهَا (قَوْلُهُ: لَا لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ إلَخْ) الْمَذْكُورُ فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ نُوحٍ عَلَى الدُّرَرِ