تُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَحْرٌ عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ (قَادِرَةً عَلَى الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا) وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَفْضَلُ الْحَيْلُولَةُ بِسِتْرٍ، وَلَوْ فَاسِقًا فَبِامْرَأَةٍ. قَالَ: وَلَهُمَا أَنْ يَسْكُنَا بَعْدَ الثَّلَاثِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ إذَا لَمْ يَلْتَقِيَا الْتِقَاءَ الْأَزْوَاجِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ خَوْفُ فِتْنَةٍ انْتَهَى.
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ زَوْجَيْنِ افْتَرَقَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا سِتُّونَ سَنَةً وَبَيْنَهُمَا أَوْلَادٌ تَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمَا مُفَارَقَتُهُمْ فَيَسْكُنَانِ فِي بَيْتِهِمْ وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي فِرَاشٍ وَلَا يَلْتَقِيَانِ الْتِقَاءَ الْأَزْوَاجِ هَلْ لَهُمَا ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ.
(أَبَانَهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا فِي سَفَرٍ) وَلَوْ فِي مِصْرٍ (وَلَيْسَ بَيْنَهَا) وَبَيْنَ مِصْرِهَا مُدَّةُ سَفَرٍ رَجَعَتْ وَلَوْ بَيْنَ مِصْرِهَا مُدَّتُهُ وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا أَقَلُّ مَضَتْ (وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ) أَيْ مُدَّةُ السَّفَرِ (مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) مِنْهُمَا وَلَا يُعْتَبَرُ مَا فِي مَيْمَنَةٍ وَمَيْسَرَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ فِي مَفَازَةٍ (خُيِّرَتْ) بَيْنَ رُجُوعٍ وَمُضِيٍّ (مَعَهَا وَلِيٌّ، أَوْ لَا فِي الصُّورَتَيْنِ، وَالْعَوْدُ أَحْمَدُ) لِتَعَدٍّ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ (وَ) لَكِنْ (إنْ مَرَّتْ) بِمَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. زَادَ فِي النَّهْرِ: وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا
ــ
[رد المحتار]
بِخِلَافِ الْمَفَاوِزِ زَيْلَعِيٌّ، وَأَفَادَ أَنَّ مَعْنَى قُدْرَتِهَا عَلَى الْحَيْلُولَةِ إمْكَانُ الِاسْتِغَاثَةِ. (قَوْلُهُ: تُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ تَمْنَعُ الزَّوْجَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الْفُرُوجِ، فَكَانَتْ نَفَقَتُهَا فِي مَالِهِ تَعَالَى ذَخِيرَةً مِنْ النَّفَقَاتِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْتُوتَةِ بِسِتْرٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا فَيُحَالُ بِامْرَأَةٍ ثِقَةٍ، وَإِنْ تَعَذَّرَ فَلْتَخْرُجْ هِيَ وَخُرُوجُهُ أَوْلَى اهـ مُلَخَّصًا، وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا مَرَّ، فَإِنَّ السُّتْرَةَ لَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِحُرْمَةِ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ) حَيْثُ أَطْلَقُوهُ يَنْصَرِفُ إلَى بَكْرٍ الْمَشْهُورِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِنَقْلِ هَذَا تَخْصِيصَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُجْتَبَى بِمَا إذَا كَانَتْ السُّكْنَى مَعَهَا لِحَاجَةٍ، كَوُجُودِ أَوْلَادٍ يُخْشَى ضَيَاعُهُمْ لَوْ سَكَنُوا مَعَهُ، أَوْ مَعَهَا، أَوْ كَوْنِهِمَا كَبِيرَيْنِ لَا يَجِدُ هُوَ مَنْ يَعُولُهُ وَلَا هِيَ مَنْ يَشْتَرِي لَهَا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِكَوْنِ سِنِّهِمَا سِتِّينَ سَنَةً وَبِوُجُودِ الْأَوْلَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِهِ كَانَ كَذَلِكَ فِي حَادِثَةِ السُّؤَالِ كَمَا أَفَادَهُ ط. .
(قَوْلُهُ: رَجَعَتْ) سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مِصْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَقْصِدُ مُدَّةَ سَفَرٍ بَحْرٌ أَيْ فَيَجِبُ الرُّجُوعُ لِئَلَّا تَصِيرَ مُسَافِرَةً فِي الْعِدَّةِ بِلَا مَحْرَمٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقْصِدِ مُدَّةُ سَفَرٍ فَإِنَّهَا تُخَيَّرُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لِعَدَمِ السَّفَرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَيْنَ مِصْرِهَا إلَخْ) هَذِهِ عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. (قَوْلُهُ: مَضَتْ) أَيْ إلَى الْمَقْصِدِ، لِأَنَّ فِي رُجُوعِهَا إنْشَاءَ سَفَرٍ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ إلَخْ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ ثَالِثَةٌ، وَفِي حُكْمِهَا عَكْسُهَا، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُدَّةَ سَفَرٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَتُخَيَّرُ، وَالرُّجُوعُ أَحْمَدُ، وَهَذَا عَلَى مَا فِي الْكَافِي، أَمَّا عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا فَيَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يُرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَيَظْهَرُ لِي أَرْجَحِيَّةُ الثَّانِي لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ السَّفَرِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إتْمَامِهِ إلَّا إذَا لَزِمَ مِنْ قَطْعِهِ إنْشَاءُ سَفَرٍ آخَرَ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ.
ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْفَتْحِ قَالَ إنَّهُ الْأَوْجَهُ وَإِنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الرُّجُوعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِمَا قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُعْتَبَرُ مَا فِي مَيْمَنَةٍ وَمَيْسَرَةٍ) أَيْ مِنْ الْأَمْصَارِ، أَوْ الْقُرَى لِأَنَّهُ لَيْسَ وَطَنًا وَلَا مَقْصِدًا، فَفِي اعْتِبَارِهِ إضْرَارٌ بِهَا. (قَوْلُهُ: فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ صُورَةِ تَعْيِينِ الرُّجُوعِ وَصُورَةِ التَّخْيِيرِ. (قَوْلُهُ: لِتَعْتَدَّ إلَخْ) لِأَنَّهُمَا حَيْثُ تَسَاوَيَا فِي مُدَّةِ السَّفَرِ كَانَ فِي الْعَوْدِ مُرَجِّحٌ وَهُوَ حُصُولُ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ فَكَانَ أَوْلَى وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِعَدَمِ التَّوَصُّلِ إلَيْهِ إلَّا بِمَسِيرَةِ سَفَرٍ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ إنْ مَرَّتْ) أَيْ فِي الْمُضِيِّ، أَوْ الْعَوْدِ بَحْرٌ. وَالْأَنْسَبُ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ كَانَتْ فِي مِصْرٍ تَعْتَدُّ ثَمَّةَ لِيَكُونَ مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَفَازَةٍ ثُمَّ يَقُولَ: وَكَذَا إنْ مَرَّتْ بِمَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ فَتَأَمَّلْ ط. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ مَا مَرَّتْ بِهِ مِمَّا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ وَبَيْنَ مَقْصِدِهَا الَّذِي كَانَتْ ذَاهِبَةً إلَيْهِ، وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ الْمُرُورُ عَلَى ذَلِكَ فِي رُجُوعِهَا إلَى مِصْرِهَا، أَوْ مُضِيِّهَا وَبَيْنَ الْجَانِبَيْنِ مُدَّةُ سَفَرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute