للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنْ فِي النَّهْرِ: الِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّانِي أَوْلَى لِأَنَّ طَيَّ الْمَسَافَةِ لَيْسَ مِنْ الْكَرَامَةِ عِنْدَنَا.

قُلْت: لَكِنْ فِي عَقَائِدِ التَّفْتَازَانِيُّ جَزَمَ بِالْأَوَّلِ تَبَعًا لِمُفْتِي الثَّقَلَيْنِ النَّسَفِيِّ، بَلْ سُئِلَ عَمَّا يُحْكَى أَنَّ الْكَعْبَةَ كَانَتْ تَزُورُ وَاحِدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ هَلْ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ؟ فَقَالَ: خَرْقُ الْعَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَامَةِ لِأَهْلِ الْوِلَايَةِ جَائِزٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَا لَبْسَ بِالْمُعْجِزَةِ لِأَنَّهَا أَثَرُ دَعْوَى الرِّسَالَةِ وَبِادِّعَائِهَا يُكَفَّرُ فَوْرًا فَلَا كَرَامَةَ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ السِّيَرِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَمَنْ - لِوَلِيٍّ قَالَ طَيُّ مَسَافَةٍ يَجُوزُ - جَهُولٌ ثُمَّ بَعْضٌ يَكْفُرُ وَإِثْبَاتُهَا فِي كُلِّ مَا كَانَ خَارِقًا عَنْ النَّسَفِيِّ النَّجْمِ يُرْوَى وَيَنْصُرُ

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِي ثُبُوتِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَالِاسْتِخْدَامَات.

وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَالْحَقُّ أَنَّ التَّصَوُّرَ شَرْطٌ، وَلِذَا لَوْ جَاءَتْ امْرَأَةُ الصَّبِيِّ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَالتَّصَوُّرُ ثَابِتٌ فِي الْمَغْرِبِيَّةِ لِثُبُوتِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَالِاسْتِخْدَامَات، فَيَكُونُ صَاحِبَ خُطْوَةٍ، أَوْ جِنِّيًّا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْ الْكَرَامَةِ عِنْدَنَا) لِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّهُ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزَّعْفَرَانِيُّ عَمَّا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ بِالْبَصْرَةِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَرُئِيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: كَانَ ابْنُ مُقَاتِلٍ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ اعْتِقَادَ ذَلِكَ كُفْرٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْكَرَامَاتِ بَلْ هُوَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ، وَأَمَّا أَنَا فَأَسْتَجْهِلُهُ وَلَا أُطْلِقُ عَلَيْهِ الْكُفْرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي عَقَائِدِ التَّفْتَازَانِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: جَزَمَ، وَكَذَا قَوْلُهُ: بِالْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ إثْبَاتِ طَيِّ الْمَسَافَةِ كَرَامَةً، وَذَلِكَ أَنَّ التَّفْتَازَانِيُّ: قَالَ إنَّمَا الْعَجَبُ مِنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ حَيْثُ حَكَمَ بِالْكُفْرِ عَلَى مُعْتَقِدِ مَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ إلَخْ ثُمَّ قَالَ: وَالْإِنْصَافُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ حِينَ سُئِلَ عَنْ مَا يُحْكَى أَنَّ الْكَعْبَةَ كَانَتْ تَزُورُ وَاحِدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ هَلْ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ؟ فَقَالَ: نَقْضُ الْعَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَامَةِ لِأَهْلِ الْوِلَايَةِ جَائِزٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ. اهـ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ: قُلْت: النَّسَفِيُّ هَذَا هُوَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ عُمَرُ مُفْتِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ رَأْسُ الْأَوْلِيَاءِ فِي عَصْرِهِ. اهـ. وَعِبَارَةُ النَّسَفِيِّ فِي عَقَائِدِهِ: وَكَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ حَقٌّ، فَتَظْهَرُ الْكَرَامَةُ عَلَى طَرِيقِ نَقْضِ الْعَادَةِ لِلْوَلِيِّ، مِنْ قَطْعِ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ فِي الْمُدَّةِ الْقَلِيلَةِ، وَظُهُورِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ، وَكَلَامِ الْجَمَادِ وَالْعَجْمَاءِ، وَانْدِفَاعِ الْمُتَوَجِّهِ مِنْ الْبَلَاءِ، وَكِفَايَةِ الْمُهِمِّ مِنْ الْأَعْدَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَشْيَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ سُئِلَ) أَيْ النَّسَفِيُّ، وَقَوْلُهُ: فَقَالَ إلَخْ جَوَابٌ بِالْجَوَازِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ، وَقَدَّمْنَا فِي بَحْثِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عَنْ عُدَّةِ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا: لَوْ ذَهَبَتْ الْكَعْبَةُ لِزِيَارَةِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ فَالصَّلَاةُ إلَى هَوَائِهَا. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا لَبْسَ بِالْمُعْجِزَةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ الْمُنْكِرِينَ الْكَرَامَاتِ لِلْأَوْلِيَاءِ، لِأَنَّهَا لَوْ ظَهَرَتْ لَاشْتَبَهَتْ بِالْمُعْجِزَةِ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ النَّبِيُّ مِنْ غَيْرِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُعْجِزَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَدَّعِي الرِّسَالَةَ تَصْدِيقًا لِدَعْوَاهُ، وَالْوَلِيُّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِنَبِيٍّ وَتَكُونَ كَرَامَتُهُ مُعْجِزَةً لِنَبِيِّهِ، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وَلِيًّا مَا لَمْ يَكُنْ مُحِقًّا فِي دِيَانَتِهِ وَاتِّبَاعِهِ لِنَبِيِّهِ؛ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الِاسْتِقْلَالَ بِنَفْسِهِ وَعَدَمَ الْمُتَابَعَةِ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا بَلْ يَكُونُ كَافِرًا وَلَا تَظْهَرُ لَهُ كَرَامَةٌ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمْرَ الْخَارِقَ لِلْعَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّبِيِّ مُعْجِزَةٌ، سَوَاءٌ ظَهَرَ مِنْ قِبَلِهِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ آحَادِ أُمَّتِهِ، وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَلِيِّ كَرَامَةٌ لِخُلُوِّهِ عَنْ دَعْوَى النُّبُوَّةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعَقَائِدِ وَشَرْحِهَا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ لِوَلِيٍّ إلَخْ) مَنْ مَوْصُولٌ مُبْتَدَأٌ، وَقَالَ: صِلَتُهُ وَ " لِوَلِيٍّ " مُتَعَلِّقٌ بِيَجُوزُ وَ " طَيُّ " مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ " يَجُوزُ " خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ الْخَبَرِيَّةُ مَقُولُ الْقَوْلِ وَجَهُولٌ خَبَرُ " مَنْ "، وَالْقَوْلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>