أَيْ يُنْصَرُ هَذَا الْقَوْلُ بِنَصِّ مُحَمَّدٍ: إنَّا نُؤْمِنُ بِكَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ.
(غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَوَلَدَتْ أَوْلَادًا) ثُمَّ جَاءَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ (فَالْأَوْلَادُ لِلثَّانِي عَلَى الْمَذْهَبِ) الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهَا.
وَفِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَنَارِ لِابْنِ الْحَنْبَلِيِّ. وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إنْ احْتَمَلَهُ الْحَالُ، لَكِنْ فِي آخِرِ دَعْوَى الْجَمْعِ حَكَى أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ ثُمَّ أَفْتَى بِمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ مَالِكٍ بِأَنَّهُ الْمُسْتَفْرِشُ حَقِيقَةً، فَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ الْحَقِيقِيِّ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ.
ــ
[رد المحتار]
بِالتَّجْهِيلِ، أَوْ التَّكْفِيرِ هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ يُنْصَرُ هَذَا الْقَوْلُ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ وَقَعَ الْخِلَافُ عِنْدَنَا فِي مَسْأَلَةِ طَيِّ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ؛ فَمَشَايِخُ الْعِرَاقِ قَالُوا: لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مُعْجِزَةً، فَاعْتِقَادُهُ كَرَامَةً جَهْلٌ، أَوْ كُفْرٌ. وَمَشَايِخُ خُرَاسَانَ وَمَا وَرَاءَ النَّهْرِ أَثْبَتُوهُ كَرَامَةً، وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ سِوَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ هَذَا، وَلَمْ يُفَسِّرْ ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ مَسْأَلَةَ تَزَوُّجِ الْمَغْرِبِيِّ بِمَشْرِقِيَّةٍ تُؤَيِّدُ الْجَوَازَ أَيْ فَإِنَّهَا نَصُّ الْمَذْهَبِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي ثُبُوتِ الْكَرَامَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمُعْجِزَاتِ الْكِبَارِ وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا إلَّا فِيمَا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ عَدَمُ إمْكَانِهِ كَالْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ ح.
(قَوْلُهُ: غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ إلَخْ) شَامِلٌ لِمَا إذَا بَلَغَهَا مَوْتُهُ أَوْ طَلَاقُهُ فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ، وَلِمَا إذَا ادَّعَتْ ذَلِكَ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ اهـ ح. (قَوْلُهُ: وَفِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَنَارِ إلَخْ) قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ: لَكِنَّ الصَّحِيحَ مَا أَوْرَدَهُ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّ الْأَوْلَادَ مِنْ الثَّانِي إنْ احْتَمَلَهُ الْحَالُ، وَأَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي حَاشِيَةِ ابْنِ الْحَنْبَلِيِّ عَنْ [الْوَاقِعَاتِ وَالْأَسْرَارِ] وَنَقَلَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ وَاحْتِمَالُ الْحَالِ بِأَنْ تَلِدَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ. (قَوْلُهُ: حَكَى أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ) حَاصِلُ عِبَارَتِهِ مَعَ شَرْحِهِ لِابْنِ مَالِكٍ أَنَّ الْأَوْلَادَ لِلْأَوَّلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لَا، لِأَنَّ نِكَاحَ الْأُولَى صَحِيحٌ فَاعْتِبَارُهُ أَوْلَى. وَفِي رِوَايَةٍ لِلثَّانِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ الْحَقِيقِيِّ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلْأَوَّلِ إنْ أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ عَقْدِ الثَّانِي لِتَيَقُّنِ الْعُلُوقِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لِأَكْثَرَ فَلِلثَّانِي. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلْأَوَّلِ إنْ كَانَ بَيْنَ وَطْءِ الثَّانِي وَالْوِلَادَةِ أَقَلُّ مِنْ سَنَتَيْنِ، فَلَوْ أَكْثَرَ مِنْهُمَا فَلِلثَّانِي لِتَيَقُّنِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَالنِّكَاحُ الصَّحِيحُ مَعَ احْتِمَالِ الْعُلُوقِ مِنْهُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، وَإِنَّمَا وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْوَلَدِ إذْ الْمَرْأَةُ تُرَدُّ إلَى الْأَوَّلِ إجْمَاعًا. اهـ.
قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ يَكُونُ الْوَلَدُ لِلثَّانِي مُطْلَقًا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْإِطْلَاقِ قَبْلَهُ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى التَّفْصِيلِ بَعْدَهُ، وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ، وَهَذَا وَجْهُ الِاسْتِدْرَاكِ لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا قَرِيبًا أَنَّ الْمَنْكُوحَةَ لَوْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ زَوْجٍ وَيَفْسُدُ النِّكَاحُ أَيْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْعُلُوقِ مِنْهُ وَفِيمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ لَهَا زَوْجًا غَيْرَهُ فَكَيْفَ إذَا ظَهَرَ زَوْجٌ غَيْرُهُ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ ثُبُوتِهِ مِنْ الثَّانِي، وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ: إنَّ هَذَا مُشْكِلٌ فِيمَا إذَا أَتَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ تَزَوَّجَهَا. اهـ.
وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِطْلَاقَ غَيْرُ مُرَادٍ وَأَنَّ الصَّوَابَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ الْإِمَامِ الْمُفْتَى بِهَا هِيَ الَّتِي أَخَذَ بِهَا أَبُو يُوسُفَ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَجْمَعِ بِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ، وَأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute