للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَفَادَهُ بِقَوْلِهِ (بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ مَبْلَغَ النِّسَاءِ، إنْ بِكْرًا ضَمَّهَا الْأَبُ إلَى نَفْسِهِ) إلَّا إذَا دَخَلَتْ فِي السِّنِّ وَاجْتَمَعَ لَهَا رَأْيٌ فَتَسْكُنُ حَيْثُ أَحَبَّتْ حَيْثُ لَا خَوْفَ عَلَيْهَا (وَإِنْ ثَيِّبًا لَا) يَضُمُّهَا (إلَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً عَلَى نَفْسِهَا) فَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ وِلَايَةُ الضَّمِّ لَا لِغَيْرِهِمَا كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ.

(وَالْغُلَامُ إذَا عَقَلَ وَاسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ لَيْسَ لِلْأَبِ ضَمُّهُ إلَى نَفْسِهِ) إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُونًا عَلَى نَفْسِهِ فَلَهُ ضَمُّهُ لِدَفْعِ فِتْنَةٍ، أَوْ عَارٍ، وَتَأْدِيبُهُ إذَا وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ بَحْرٌ.

ــ

[رد المحتار]

لِأَنَّهُ لِقُصُورِ عَقْلِهِ يَخْتَارُ مَنْ عِنْدَهُ اللُّعَبُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُخَيِّرُوا. وَأَمَّا حَدِيثُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ فَلِكَوْنِهِ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِهِ» فَوُفِّقَ لَا اخْتِيَارًا لَا نَظَرَ بِدُعَائِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَأَفَادَهُ) أَيْ أَفَادَ مَا ذُكِرَ مِنْ ثُبُوتِ التَّخْيِيرِ وَالِانْفِرَادِ لِلْبَالِغِ مَعَ زِيَادَةِ تَفْصِيلٍ وَتَقْيِيدٍ لِذَلِكَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: مَبْلَغَ النِّسَاءِ) أَيْ بِمَا تَبْلُغُ بِهِ النِّسَاءُ مِنْ الْحَيْضِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ أَوْضَحَ. (قَوْلُهُ: ضَمَّهَا الْأَبُ إلَى نَفْسِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا الْفَسَادَ لَوْ حَدِيثَةَ السِّنِّ بَحْرٌ، وَالْأَبُ غَيْرُ قَيْدٍ، فَإِنَّ الْأَخَ وَالْعَمَّ كَذَلِكَ عِنْدَ فَقْدِ الْأَبِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا مِنْهُمَا، فَيَنْظُرُ الْقَاضِي امْرَأَةً مُسْلِمَةً ثِقَةً فَتُسَلَّمُ إلَيْهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا دَخَلَتْ فِي السِّنِّ) عِبَارَةُ الْوَجِيزِ مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ: إلَّا إذَا كَانَتْ مُسِنَّةً وَلَهَا رَأْيٌ. وَفِي كِفَايَةِ الْمُتَحَفِّظِ وَفِقْهِ اللُّغَةِ: مَنْ رَأَى الْبَيَاضَ فَهُوَ أَشْيَبُ وَأَشْمَطُ ثُمَّ شَيْخٌ، فَإِذَا ارْتَفَعَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُسِنٌّ رَحْمَتِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا لِغَيْرِهِمَا إلَخْ) الْفَرْقُ أَنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ كَانَ لَهُمَا وِلَايَةُ الضَّمِّ فِي الِابْتِدَاءِ، فَجَازَ أَنْ يُعِيدَاهَا إلَى حِجْرِهِمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَأْمُونَةً، أَمَّا غَيْرُهُمَا فَلَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الضَّمِّ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا تَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الْإِعَادَةِ أَيْضًا بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ.

قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُتُونَ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ امْرَأَةٌ فَالْحَضَانَةُ لِلْعَصَبَاتِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ، فَفِي ذَلِكَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ الضَّمِّ ابْتِدَاءً لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ " أَمَّا غَيْرُهُمَا " الْعَصَبَةَ غَيْرَ الْمَحْرَمِ كَابْنِ الْعَمِّ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ، فَإِنَّ الْأُنْثَى لَا تُضَمُّ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ.

وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ عَلَى نَفْسِهَا لَا يُوثَقُ بِهَا فَلِلْأَبِ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ، وَكَذَا لِلْأَخِ وَالْعَمِّ الضَّمُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا، فَإِنْ كَانَ فَحِينَئِذٍ يَضَعُهَا الْقَاضِي عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ اهـ. وَزَادَ الزَّيْلَعِيُّ: وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَصَبَةٍ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا. اهـ. وَهَذَا الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ.

(قَوْلُهُ: وَالْغُلَامُ إذَا عَقَلَ إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي الِابْتِدَاءُ بِمَسْأَلَةِ الْغُلَامِ، أَوْ ذِكْرُهَا آخِرًا لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي الْجَارِيَةِ؛ ثُمَّ الْمُرَادُ الْغُلَامُ الْبَالِغُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ. وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ: ثُمَّ الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا فَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا مَخُوفًا عَلَيْهِ إلَخْ. وَاحْتَرَزَ عَمَّا إذَا بَلَغَ مَعْتُوهًا. فَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَمَنْ بَلَغَ مَعْتُوهًا كَانَ عِنْدَ الْأُمِّ سَوَاءٌ كَانَ ابْنًا، أَوْ بِنْتًا. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ وَالْمَعْتُوهُ لَا يُخَيَّرُ وَيَكُونُ عِنْدَ أُمٍّ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا فِي الْفَتْحِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِتَخْيِيرِ الْوَلَدِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَالْمَعْتُوهُ إذَا بَلَغَ السِّنَّ الْمَذْكُورَ: أَيْ الَّذِي يُنْزَعُ فِيهِ مِنْ الْأُمِّ يَكُونُ عِنْدَ الْأَبِ اهـ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْقَوَاعِدِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَلَهُ ضَمُّهُ) أَيْ لِلْأَبِ وِلَايَةُ ضَمِّهِ إلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَدَّ كَذَلِكَ بَلْ غَيْرَهُ مِنْ الْعَصَبَاتِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ، وَلَعَلَّهُمْ اعْتَمَدُوا عَنْ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْمَعَاصِي، وَهَذَا فِي زَمَانِنَا غَيْرُ وَاقِعٍ فَيَتَعَيَّنُ الْإِفْتَاءُ بِوِلَايَةِ ضَمِّهِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ مِنْ أَقَارِبِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى حِفْظِهِ، فَإِنَّ دَفْعَ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا مَنْ يَلْحَقُهُ عَارُهُ، وَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ أَعْظَمِ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَالشَّرْعُ أَمَرَ بِصِلَتِهَا وَبِدَفْعِ الْمُنْكَرِ مَا أَمْكَنَ. قَالَ تَعَالَى - {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: ٩٠]- ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلرَّمْلِيِّ ذَكَرَ ذَلِكَ بَحْثًا أَيْضًا وَقَالَ وَلَمْ أَرَهُ ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ رَأَيْت.

<<  <  ج: ص:  >  >>