حَضْرَتِهِ وَيَأْمُرُهُ لِيُعْطِيَهَا إنْ شَكَتْ مَطْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبَ مَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَأْكُلَ مِنْ طَعَامِهِ وَتَتَّخِذَ ثَوْبًا مِنْ كِرْبَاسِهِ بِلَا إذْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يُعْطِ حَبَسَهُ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ النَّفَقَةُ خُلَاصَةٌ وَغَيْرُهَا، وَقَوْلُهُ (فِي كُلِّ شَهْرٍ) أَيْ كُلِّ مُدَّةٍ تُنَاسِبُهُ كَيَوْمٍ لِلْمُحْتَرِفِ وَسَنَةٍ لِلدِّهْقَانِ، وَلَهُ الدَّفْعُ كُلَّ يَوْمٍ، كَمَا لَهَا الطَّلَبُ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ الْمَسَاءِ لِلْيَوْمِ الْآتِي. -
ــ
[رد المحتار]
وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبَ مَائِدَةٍ بَيَانٌ لِشَرْطٍ رَابِعٍ ذَكَرَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ حَيْثُ قَالَ: إذَا كَانَ لَهُ طَعَامٌ كَثِيرٌ وَهُوَ صَاحِبُ مَائِدَةٍ يُمَكِّنُ الْمَرْأَةَ مِنْ تَنَاوُلِ مِقْدَارِ كِفَايَتِهَا فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِفَرْضِ النَّفَقَةِ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنْ رَضِيَتْ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَإِنْ خَاصَمَتْهُ يَفْرِضُ لَهَا بِالْمَعْرُوفِ. اهـ وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِصَاحِبِ الْمَائِدَةِ مَنْ يُمْكِنُهَا تَنَاوُلُ كِفَايَتِهَا مِنْ طَعَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ يُنْفِقُ عَلَى مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَوْ لَا فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ لَهَا إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَا فُهِمَ مِنْ الشَّرْطِ الرَّابِعِ، أَيْ لِكَوْنِهَا يَحِلُّ لَهَا تَنَاوُلُ كِفَايَتِهَا وَلَوْ بِدُونِ إذْنِهِ لَا يَفْرِضُ لَهَا إذَا أَمْكَنَهَا ذَلِكَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُعْطِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لِيُعْطِيَهَا: وَفِي الْفَتْحِ: امْتَنَعَ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مَعَ الْيُسْرِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَهُ عَلَيْهِ وَيَصْرِفُهُ فِي نَفَقَتِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالَهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَلَا يَفْسَخُ وَلَا يُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دُيُونِهِ، وَقِيلَ يَبِيعُ مَا سِوَى الْإِزَارِ إلَّا فِي الْبَرْدِ، وَقِيلَ مَا سِوَى دَسْتُ مِنْ الثِّيَابِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْحَلْوَانِيُّ، وَقِيلَ دَسْتَيْنِ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ، وَلَا تُبَاعُ عِمَامَتُهُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْمُحِيطِ دُرٌّ مُنْتَقَى. وَالدَّسْتُ مِنْ الثِّيَابِ: مَا يَلْبَسُهُ الْإِنْسَانُ وَيَكْفِيهِ لِتَرَدُّدِهِ فِي حَوَائِجِهِ جَمْعُهُ دُسُوتٌ مِصْبَاحٌ.
(قَوْلُهُ أَيْ كُلِّ مُدَّةٍ تُنَاسِبُهُ إلَخْ) قَالُوا: يُعْتَبَرُ فِي الْفَرْضِ الْأَصْلَحُ، وَالْأَيْسَرُ فَفِي الْمُحْتَرِفِ يَوْمًا بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ نَفَقَةِ شَهْرٍ دُفْعَةً، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْطِيهَا مُعَجَّلًا، وَيُعْطِيهَا كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ الْمَسَاءِ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ الْمَسَاءَ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّرْفِ فِي حَاجَتِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا فَنَفَقَةُ شَهْرٍ بِشَهْرِ، أَوْ مِنْ الدَّهَاقِينِ فَنَفَقَةُ سَنَةٍ بِسَنَةٍ أَوْ مِنْ الصُّنَّاعِ الَّذِينَ لَا يَنْقَضِي عَمَلُهُمْ إلَّا بِانْقِضَاءِ الْأُسْبُوعِ كَذَلِكَ فَتْحٌ وَغَيْرُهُ.
قُلْت: وَمَشَى فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّقْدِيرِ بِشَهْرِ؛ لِأَنَّهُ وَسَطٌ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ، نَعَمْ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ وَأَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتَبَرَ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي حَالِ الزَّوْجِ (قَوْلُهُ وَلَهُ الدَّفْعُ كُلَّ يَوْمٍ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا حَيْثُ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ، وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ أَنَا أَدْفَعُ نَفَقَةَ كُلِّ يَوْمٍ مُعَجَّلًا لَا يُجِيزُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ مَا ذَكَرَ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ يَضُرُّهُ لَا يَفْعَلُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ كُلَّ مُدَّةٍ نَاسَبَتْ حَالَ الزَّوْجِ أَنَّهُ يُعَجِّلُ نَفَقَتَهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْيَوْمِ. اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا لَهَا الطَّلَبُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا مَرَّ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ التَّقْدِيرِ بِشَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْآجَالِ الْمُعْتَادَةِ ثُمَّ قَالَ وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ لَهَا فَأَرَادَتْ أَنْ تَطْلُبَ كُلَّ يَوْمٍ فَإِنَّمَا تَطْلُبُ عِنْدَ الْمَسَاءِ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلِّ يَوْمٍ مَعْلُومَةٌ فَيُمْكِنُ طَلَبُهَا بِخِلَافِ مَا دُونَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالسَّاعَاتِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ. اهـ فَأَفَادَ أَنَّ الْخِيَارَ لَهَا فِي طَلَبِ كُلِّ يَوْمٍ إذَا لَمْ يَدْفَعْ لَهَا نَفَقَةَ الشَّهْرِ، فَلَا يُنَافِي مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ جَعْلِ الْخِيَارِ لَهُ فِي الدَّفْعِ كُلَّ يَوْمٍ فَافْهَمْ، نَعَمْ جَعْلُ الْخِيَارِ لَهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ إضْرَارٌ بِهَا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ حَيْثُ يُحْوِجُهَا إلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَإِلَى الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُنَازَعَةِ، وَرُبَّمَا لَا تَجِدُهُ وَإِنْ وَجَدَتْهُ لَا يُعْطِيهَا، فَالْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ التَّقْدِيرِ بِالشَّهْرِ وَجَعْلِ الْخِيَارِ لَهَا فِي الْأَخْذِ كُلَّ يَوْمٍ، لَكِنْ إذَا مَاطَلَهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ إذَا دَفَعَ لَهَا نَفَقَةَ كُلِّ شَهْرٍ فَامْتَنَعَتْ وَطَلَبَتْ الْأَخْذَ كُلَّ يَوْمٍ تَكُونُ مُتَعَنِّتَةً قَاصِدَةً لِإِضْرَارِهِ وَمُخَاصَمَتِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، فَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الْمُوَافِقِ لِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَالْخُصُومَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute