للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَالْمُخْتَارُ: ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ وَهُوَ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَقَطْ، فَيَكُونُ ثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ بِذِرَاعِ زَمَانِنَا

ــ

[رد المحتار]

فِي الْبَدَائِعِ هَذَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ صَارَ مَاءً جَارِيًا وَلَمْ نَسْتَيْقِنْ بِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، فَاتَّضَحَ الْحُكْمُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَبَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ سُئِلْت عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّ دَلْوًا تَنَجَّسَ فَأَفْرَغَ فِيهِ رَجُلٌ مَاءً حَتَّى امْتَلَأَ وَسَالَ مِنْ جَوَانِبِهِ هَلْ يَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي الطَّهَارَةُ، أَخْذًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ هُنَا وَمِمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْجَرَيَانُ بِمَدَدٍ، وَمَا يُقَالُ إنَّهُ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ جَارِيًا مَمْنُوعٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَالَ دَمُ رِجْلِهِ مَعَ الْعَصِيرِ لَا يَنْجُسُ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَفَرَ نَهْرًا مِنْ حَوْضٍ صَغِيرٍ أَوْ صَبَّ الْمَاءَ فِي طَرَفِ الْمِيزَابِ إلَخْ وَكَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ عَنْ الْخِزَانَةِ وَالذَّخِيرَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ، فَكُلُّ هَذَا اعْتَبَرُوهُ جَارِيًا فَكَذَا هُنَا. وَأَخْبَرَنِي شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ عَصْرِهِ فِي حَلَبَ أَفْتَى بِذَلِكَ حَتَّى فِي الْمَائِعَاتِ وَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ.

وَأَقُولُ: مَسْأَلَةُ الْعَصِيرِ تَشْهَدُ لِمَا أَفْتَى بِهِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ حُكْمَ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ فِي الْأَصَحِّ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ، فَمَنْ أَنْكَرَهُ وَادَّعَى خِلَافَهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ بِنَقْلٍ صَرِيحٍ لَا بِمُجَرَّدِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَذَكَرُوهُ فِي تَطْهِيرِ الْمَائِعَاتِ كَالزَّيْتِ وَنَحْوِهِ. عَلَى أَنِّي رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَوَّلَ فَصْلِ النَّجَاسَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْمَائِعَ كَالْمَاءِ وَالدِّبْسِ وَغَيْرِهِمَا طَهَارَتُهُ إمَّا بِإِجْرَائِهِ مَعَ جِنْسِهِ مُخْتَلِطًا بِهِ كَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ، وَإِمَّا بِالْخَلْطِ مَعَ الْمَاءِ كَمَا إذَا جَعَلَ الدُّهْنَ فِي الْخَابِيَةِ ثُمَّ صَبَّ فِيهِ مَاءً مِثْلَهُ وَحُرِّكَ ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى يَعْلُوَ وَثَقَبَ أَسْفَلَهَا حَتَّى يَخْرُجَ الْمَاءُ هَكَذَا يَفْعَلُ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَطْهُرُ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ إلَخْ، فَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْإِجْرَاءِ نَظِيرَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخِزَانَةِ وَغَيْرِهَا، مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَجْرَى مَاءَ إنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا نَجِسٌ فِي الْأَرْضِ أَوْ صَبَّهُمَا مِنْ عُلُوٍّ فَاخْتَلَطَا طَهُرَا بِمَنْزِلَةِ مَاءٍ جَارٍ، نَعَمْ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ تَخْصِيصِ الْجَرَيَانِ بِأَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ هُنَا، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ مِنْ طَهَارَةِ الْحَوْضِ بِمُجَرَّدِ الْجَرَيَانِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفِكْرِي السَّقِيمِ {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: ٧٦] . مَطْلَبٌ فِي مِقْدَارِ الذِّرَاعِ وَتَعْيِينِهِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ) وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاخْتَارَهُ فِي الدُّرَرِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْخِزَانَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: ذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ وَهُوَ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ. وَفِي الْمُحِيطِ وَالْكَافِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ذِرَاعُهُمْ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ الْأَنْسَبُ. قُلْت: لَكِنْ رَدَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِعَدَمِ خُلُوصِ النَّجَاسَةِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَقَطْ) أَيْ بِلَا إصْبَعٍ قَائِمَةٍ، وَهَذَا مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ سِتُّ قَبَضَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ فَهُوَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا بِعَدَدِ حُرُوفِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " وَالْمُرَادُ بِالْإِصْبَعِ الْقَائِمَةِ ارْتِفَاعُ الْإِبْهَامِ كَمَا فِي [غَايَةِ الْبَيَانِ] اهـ وَالْمُرَادُ بِالْقَبْضَةِ أَرْبَعُ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ نُوحٌ. أَقُولُ: وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ ذِرَاعِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ سِتُّ قَبَضَاتٍ وَشَيْءٌ، وَذَلِكَ شِبْرَانِ.

(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ ثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ) كَأَنَّهُ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَمْ يَمْتَحِنْهُ، وَصَوَابُهُ: فَيَكُونُ عَشْرًا فِي ثَمَانٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>