لَا يَضْمَنَانِ لِوُجُوبِ نَفَقَةِ الْوِلَادِ وَالزَّوْجِيَّةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ حَتَّى لَوْ ظَفَرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَلِذَا فُرِضَتْ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ. وَلَوْ قَالَ الِابْنُ أَنْفَقْته وَأَنْتَ مُوسِرٌ وَكَذَّبَهُ الْأَبُ حَكَمَ الْحَاكِمُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ، وَلَوْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الِابْنِ خُلَاصَةٌ.
(قَضَى بِنَفَقَةِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ) زَادَ الزَّيْلَعِيُّ وَالصَّغِيرُ (وَمَضَتْ مُدَّةٌ) أَيْ شَهْرٌ فَأَكْثَرُ (سَقَطَتْ) لِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فِيمَا مَضَى، وَأَمَّا مَا دُونَ شَهْرٍ
ــ
[رد المحتار]
وَبَقِيَّةُ الْأَوْلَادِ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ ظَفِرَ) أَيْ أَحَدُ هَؤُلَاءِ (قَوْلُهُ فَلَهُ أَخْذُهُ) أَيْ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا بَحْرٌ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِإِبَاءِ الِابْنِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّةَ قَاضٍ كَمَا سَلَفَ ط (قَوْلُهُ حُكِّمَ الْحَاكِمُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا حُكِّمَ الْحَالُ: أَيْ حَالٌ لِأَبٍ يَوْمَ الْخُصُومَةِ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالْقَوْلُ لَهُ اسْتِحْسَانًا فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلِابْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ الِابْنِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ أَمْرًا عَارِضًا خَانِيَّةٌ أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِعْسَارُ، وَالْيَسَارُ عَارِضٌ، وَمُقْتَضَى هَذَا الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ مَعَ الْبَيِّنَةِ لَا يُنْظَرُ إلَى تَحْكِيمِ الْحَالِ وَإِلَّا فَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ مُعْسِرًا يَوْمَ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لِلْأَبِ، وَلِذَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ الْمُعْتَبَرَةُ بَيِّنَةُ الِابْنِ لِإِثْبَاتِهَا خِلَافَ الظَّاهِرِ، أَمَّا لَوْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تُقَدَّمَ بَيِّنَةُ الْأَبِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُعْسِرًا يَوْمَ الْإِنْفَاقِ، كَمَا لَوْ بَرْهَنَ وَحْدَهُ تَأَمَّلْ. قُلْت: وَمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ لِمُنْكِرِ الْيَسَارِ وَالْبَيِّنَةَ لِمُدَّعِيهِ فَلَعَلَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحَالِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ غَيْرِ الزَّوْجَةِ) يَشْمَلُ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ وَالْمَحَارِمَ وَالْمَمَالِيكَ (قَوْلُهُ زَادَ الزَّيْلَعِيُّ وَالصَّغِيرِ) يَعْنِي اسْتَثْنَاهُ أَيْضًا فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ الْمُقْتَضَى بِهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ كَالزَّوْجَةِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَقَارِبِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ نَقَلَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ عَنْ الْحَاوِي فِي الْفَتَاوَى، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَتَبِعَهُمْ الشَّارِحُ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَكَافِي الْحَاكِمِ.
مَطْلَبٌ فِي مَوَاضِعَ لَا يَضْمَنُ فِيهَا الْمُنْفِقُ إذَا قَصَدَ الْإِصْلَاحَ وَفِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ بِالنَّفَقَةِ فَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ تَجِبُ كِفَايَةً لِلْحَاجَةِ حَتَّى لَا تَجِبَ مَعَ الْيَسَارِ وَقَدْ حَصَلَتْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا قَضَى بِهَا الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فِيمَا مَضَى. اهـ وَقَرَّرَ كَلَامَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الذَّخِيرَةِ، عَلَى أَنَّهُ فِي الذَّخِيرَةِ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ وَعَزَاهُ إلَى الْكِتَابِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا قَالَ أَيْ فِي الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ إنْ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ فَغَابَ الْأَبُ وَتَرَكَهُمْ بِلَا نَفَقَةٍ فَاسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَأَنْفَقَتْ عَلَيْهِمْ تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَدِنْ بَعْدَ الْفَرْضِ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ لَمْ تَرْجِعْ عَلَى الْأَبِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا سَأَلُوا وَأُعْطُوا صَارَ مِلْكًا لَهُمْ فَوَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ نَفَقَةِ الْأَبِ، وَاسْتِحْقَاقُ هَذِهِ النَّفَقَةِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ. فَإِنْ كَانُوا أُعْطُوا مِقْدَارَ نِصْفِ الْكِفَايَةِ سَقَطَ نِصْفُ الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَبِ، وَتَصِحُّ الِاسْتِدَانَةُ فِي النِّصْفِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ، وَلَيْسَ هَذَا فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ خَاصَّةً، بَلْ فِي نَفَقَةِ جَمِيعِ الْمَحَارِمِ إذَا أَكَلُوا مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ لَا رُجُوعَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ بَلْ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ قَاضِي خَانْ جَازِمًا بِهِ، وَقَدْ قَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ: إنَّ مَا فِيهِ أَقْوَالٌ اقْتَصَرْتُ فِيهِ عَلَى قَوْلٍ أَوْ قَوْلَيْنِ، وَقَدَّمْتُ مَا هُوَ الْأَظْهَرُ وَافْتَتَحْتُ بِمَا هُوَ الْأَشْهَرُ. وَقَدْ رَاجَعَ الرَّحْمَتِيُّ نُسْخَةً مِنْ الذَّخِيرَةِ مُحَرَّفَةً حَتَّى اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَا مَرَّ بِمَسْأَلَةِ الْمَوْتِ الْآتِيَةِ وَحَكَمَ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ بِالْوَهْمِ، وَقَالَ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْحَاوِي أَنَّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ لَا تَسْقُطُ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ، وَأَطَالَ بِمَا لَا يُجْدِي نَفْعًا وَالصَّوَابُ فِي الرَّدِّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ مَا قَدَّمْنَاهُ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا دُونَ شَهْرٍ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ أَيْ شَهْرٌ فَأَكْثَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute