للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالصَّغِيرِ فَتَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ (إلَّا أَنْ يَسْتَدِينَ) غَيْرُ الزَّوْجَةِ (بِأَمْرِ قَاضٍ) فَلَوْ لَمْ يَسْتَدِنْ بِالْفِعْلِ فَلَا رُجُوعَ، بَلْ فِي الذَّخِيرَةِ: لَوْ أَكَلَ أَطْفَالُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ فَلَا رُجُوعَ لِأُمِّهِمْ؛ وَلَوْ أُعْطُوا شَيْئًا وَاسْتَدَانَتْ شَيْئًا أَوْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا رَجَعَتْ بِمَا زَادَتْ خَانِيَّةٌ

ــ

[رد المحتار]

وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ قَصِيرَةٌ وَأَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ، فَلَوْ سَقَطَتْ الْمُدَّةُ الْقَصِيرَةُ لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كُلُّ مَا مَضَى سَقْطٌ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاءُ شَيْءٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالصَّغِيرِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ غَيْرُ الزَّوْجَةِ وَالصَّغِيرِ، أَمَّا الصَّغِيرُ فَفِيهِ مَا عَلِمْت، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَإِنَّمَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا لَمْ تُشْرَعْ لِحَاجَتِهَا كَالْأَقَارِبِ بَلْ لِاحْتِبَاسِهَا، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، نَعَمْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ إنْ كَانَتْ شَهْرًا فَأَكْثَرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالنَّفَقَةُ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِالْقَضَاءِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ بَعْدَ الْقَضَاءِ فِي أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ.

(قَوْلُهُ غَيْرُ الزَّوْجَةِ) أَمَّا هِيَ فَتَرْجِعُ بِمَا فُرِضَ لَهَا وَلَوْ أَكَلَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا أَوْ مِنْ مَسْأَلَةٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَاسْتِدَانَتُهَا بَعْدَ الْفَرْضِ غَيْرُ شَرْطٍ، نَعَمْ اسْتِدَانَتُهَا لِلصَّغِيرِ شَرْطٌ كَمَا عَلِمْته مِمَّا مَرَّ وَيَأْتِي (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يَسْتَدِنْ) أَفَادَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ لَا يَكْفِي، وَمَا فَهِمَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ فَهُوَ غَلَطٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي [أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ] (قَوْلُهُ بَلْ فِي الذَّخِيرَةِ) هَذَا مَحَلُّ التَّفْرِيعِ، فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَفِي الذَّخِيرَةِ إلَخْ، وَهَذَا أَيْضًا فِيمَا إذَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهُمْ النَّفَقَةَ وَأَمَرَ الْأُمَّ بِالِاسْتِدَانَةِ كَمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَالصَّغِيرِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ آنِفًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا) هَذَا مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ كَمَا تَعْرِفُهُ، وَمَا قَبْلَهُ مَذْكُورٌ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ رَجَعَتْ بِمَا زَادَتْ: أَيْ بِمَا اسْتَدَانَتْهُ أَوْ أَنْفَقَتْهُ مِنْ مَالِهَا لِتَكْمِيلِ نَفَقَتِهَا. وَأَفَادَ أَنَّ الْإِنْفَاقَ مِنْ مَالِهَا عَلَى الْأَوْلَادِ قَائِمٌ مَقَامَ الِاسْتِدَانَةِ فَهُوَ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ فَلَوْ لَمْ تَسْتَدِنْ بِالْفِعْلِ فَلَا رُجُوعَ، لَكِنْ هَذَا فَهْمٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ لِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ نَفَقَةً وَلِأُمِّهِمْ مَالٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ ثُمَّ تَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ. اهـ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ الِاسْتِدَانَةَ وَلَا الْإِذْنَ بِهَا، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إذَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَكَلُوا مِنْ الْمَسْأَلَةِ. اهـ. قُلْت: لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ مَسَائِلَ أَمْرُ الْأَبْعَدِ بِالْإِنْفَاقِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْأَقْرَبِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ تَقَدَّمَتْ فِي الْفُرُوعِ عَنْ وَاقِعَاتِ الْمُفْتِينَ لِقَدْرِي أَفَنْدِي، فَفِيهَا يَأْمُرُ الْقَاضِي الْأَبْعَدَ لِيَرْجِعَ عَلَى الْأَقْرَبِ كَالْأُمِّ لِيَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ فَهُوَ أَمْرٌ بِالْإِدَانَةِ، وَيُحْبَسُ الْمُمْتَنِعُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالِاخْتِيَارِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَضَى بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ مُوسِرَةً تُؤْمَرُ بِالْإِدَانَةِ مِنْ مَالِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً تُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ، فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إذَا أَكَلَ الْأَوْلَادُ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُمْ عَنْ أَبِيهِمْ لِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فَلَا تَرْجِعُ الْأُمُّ بِشَيْءٍ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَأَمَّا إذَا أُمِرَتْ بِالِاسْتِدَانَةِ وَلَمْ تَسْتَدِنْ بَلْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا فَلَا رُجُوعَ لَهَا أَيْضًا، بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أَكَلُوا مِنْ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَهَا بِهِ الْقَاضِي الْقَائِمُ مَقَامَ الْغَائِبِ، وَلِذَا صَرَّحُوا بِاشْتِرَاطِ الِاسْتِدَانَةِ بِالْفِعْلِ وَلَمْ يَكْفِ مُجَرَّدُ الْأَمْرِ بِهَا، خِلَافًا لِمَنْ غَلِطَ فِيهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَنْفَعْ الْوَسَائِلِ.

وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ إنْفَاقَهَا لَا يَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِدَانَةِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ لَا تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ وَكَذَا فِي نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ. اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ، وَأَشَارَ إلَى بَعْضِهِ الْمَقْدِسِيَّ وَالْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فَافْهَمْ، نَعَمْ لَوْ أُمِرَتْ بِالْإِنْفَاقِ وَهِيَ مُوسِرَةٌ فَاسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ مِنْهُ تَرْجِعُ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَدَانَ دَيْنٌ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ دَيْنًا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>