قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَا يَعْتِقُ بَلْ يَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ حَتَّى يُقِرَّ بِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ وَيُصَدِّقُهُ فَيَمْلِكُهُ وَكَذَا لَيْسَ هَذَا بِعَبْدِي لَا يَعْتِقُ وَقَاسَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لَكِنْ نَازَعَهُ فِي النَّهْرِ.
(وَ) يَصِحُّ أَيْضًا (بِهَذَا ابْنِي) أَوْ بِنْتِي (لِلْأَصْغَرِ) سِنًّا مِنْ الْمَالِكِ (وَالْأَكْبَرِ وَ) كَذَا (هَذَا أَبِي) أَوْ جَدِّي (أَوْ) هَذِهِ (أُمِّي وَإِنْ لَمْ) يَصْلُحُوا لِذَلِكَ وَلَمْ (يَنْوِ الْعِتْقَ) ؛ لِأَنَّهَا صَرَائِحُ لَا كِنَايَةٌ وَلِذَا جَاءَ بِالْبَاءِ وَأَخَّرَهَا لِتَفْصِيلِهَا، فَإِنْ صَلَحُوا وَجَهِلَ نَسَبَهُمْ فِي مَوْلِدِهِمْ
ــ
[رد المحتار]
أَقَرَّ بِالْعِتْقِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِدُونِ النِّيَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ لَيْسَتْ بِامْرَأَتِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ أَنْ لَا يَكُونَ عَبْدًا لَهُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى. اهـ وَحَاصِلُهُ أَنَّ اللَّفْظَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كِنَايَةٌ، فَإِنْ نَوَى عَتَقَ فِيهِمَا وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفَاذِ إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حُرًّا ظَاهِرًا مُعْتَقًا، فَتَكُونُ أَحْكَامُهُ أَحْكَامَ الْأَحْرَارِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يَدَّعِيَهُ وَيُثْبِتَ فَيَكُونُ مِلْكًا لَهُ. اهـ (قَوْلُهُ وَقَاسَ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ جَعَلَهُ فِي حُكْمِ مَسْأَلَةِ الْخُلَاصَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْعِتْقَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِإِقْرَارِهِ بِعَدَمِ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ نَازَعَهُ فِي النَّهْرِ) حَيْثُ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَيْ مَسْأَلَةَ الْخُلَاصَةِ مُغَايِرَةٌ لِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ: أَيْ قَوْلُهُ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك، وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إنَّمَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مِلْكًا لِغَيْرِهِ. وَمَسْأَلَةُ الْخُلَاصَةِ مَوْضُوعُهَا إقْرَارُهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ أَصْلًا إمَّا لِعِتْقِهِ لَهُ أَوْ لِحُرِّيَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. اهـ.
قَالَ ح قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ صَاحِبِ الْبَحْرِ فَإِنَّ الْفَرْقَ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي النَّهْرِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، فَإِنَّهُ إذَا نَفَى مِلْكَهُ عَنْهُ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَدَّعِيهِ سَاوَى مَنْ قِيلَ لَهُ: أَنْتَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَا تَسْوِيَةُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَيْسَ هَذَا بِعَبْدِي تَأَمَّلْ. اهـ. قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَمَسْأَلَتَيْ الْخُلَاصَةِ كِنَايَةٌ فِي الْعِتْقِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ النِّيَّةِ، وَقَدْ نَصَّ فِي مَسْأَلَتَيْ الْخُلَاصَةِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتِقْ أَيْ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ أَيْ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ عَبْدُهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيْضًا فَيَنْبَغِي مَنْعُ دَعْوَاهُ فِيهَا أَيْضًا، وَلَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بَيْنَ نَفْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ أَوْ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ، بَلْ نَفْيُهُ عَنْ غَيْرِهِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ أَوْ بِنْتِي) أَيْ أَوْ هَذِهِ بِنْتِي، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَوْ هَذَا بِنْتِي لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَكَلَامُهُ الْآنَ فِي الصَّرِيحِ؛ وَلَوْ قَالَ أَوْ هَذِهِ بِنْتِي لَكَانَ أَوْلَى ح، وَقَوْلُهُ إنَّهُ كِنَايَةٌ فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحُوا لِذَلِكَ) أَيْ لِلْأُبُوَّةِ وَالْجُدُودَةِ وَالْأُمُومَةِ (قَوْلُهُ وَلِذَا جَاءَ بِالْبَاءِ إلَخْ) أَيْ إنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبِهَذَا ابْنِي بِإِعَادَةِ الْبَاءِ الْجَارَّةِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ وَبِكِنَايَتِهِ مُقَابِلٌ لَهُ، وَلَوْ حَذَفَ الْبَاءَ لَأَوْهَمَ أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى أَمْثِلَةِ الْكِنَايَةِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَمْثِلَةِ الصَّرِيحِ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ وَذَكَرَهُ بَعْدَ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ صَلَحُوا إلَخْ (قَوْلُهُ فَإِنْ صَلَحُوا) حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا ابْنِي عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَصْلُحَ ابْنًا لَهُ بِأَنْ كَانَ مِثْلُهُ يُولَدُ لَهُ أَوْ لَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ لَا، فَإِنْ صَلُحَ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَتَقَ وَثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ لَكِنْ يَعْتِقُ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ وَلَدًا لَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ.
وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ فِي هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي فَإِنْ صَلُحَ أَبًا لَهُ أَوْ أُمًّا وَلَيْسَ لِلْقَائِلِ أَبٌ أَوْ أُمٌّ مَعْرُوفٌ ثَبَتَ النَّسَبُ وَالْعِتْقُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ صَلُحَ وَلَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَلَكِنْ يَعْتِقُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَلَوْ قَالَ لِصَغِيرٍ هَذَا جَدِّي فَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِصِفَةِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي مَوْلِدِهِمْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: مَجْهُولُ النَّسَبِ الَّذِي يُذْكَرُ فِي الْكُتُبِ هُوَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا. اهـ وَمُخْتَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ شُرَّاحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute