مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ بِلَا دَعْوَةٍ وَفَسَدَ النِّكَاحُ لِنَدْبِ اسْتِبْرَائِهَا قَبْلَهُ بَحْرٌ وَقَدَّمْنَاهُ فِي نِكَاحِ الرَّقِيقِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ (لَكِنَّهُ يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى لِعَانٍ) لِأَنَّ الْفِرَاشَ أَرْبَعَةٌ: ضَعِيفٌ لِلْأَمَةِ وَمُتَوَسِّطٌ لِأُمِّ الْوَلَدِ، وَعُلِمَ حُكْمُهُمَا، وَقَوِيٌّ لِلْمَنْكُوحَةِ فَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ، وَأَقْوَى لِلْمُعْتَدَّةِ فَلَا يَنْتَفِي أَصْلًا لِعَدَمِ اللِّعَانِ (إلَّا إذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ) غَيْرُ حَنَفِيٍّ يَرَى ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ بِالْقَضَاءِ (أَوْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ) وَهُوَ سَاكِتٌ كَمَا مَرَّ فِي اللِّعَانِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا بَحْرٌ (فَلَا) يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ.
(إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الذِّمِّيِّ) يَعْنِي الْكَافِرَ أَوْ مُدَبَّرَتُهُ مِسْكِينٌ (عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا سَعَتْ) نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ، لِأَنَّ خُصُومَةَ الذِّمِّيِّ
ــ
[رد المحتار]
لِأَنَّهُ إذَا كَانَ نَفْيًا فِيمَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ فَفِيمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ أَوْلَى كَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ (قَوْلُهُ لِنَدْبِ اسْتِبْرَائِهَا قَبْلَهُ) أَيْ اسْتِبْرَاءِ الْمَوْلَى إيَّاهَا قَبْلَ النِّكَاحِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي فَسَادِ النِّكَاحِ نَدْبُ الِاسْتِبْرَاءِ وَأَنَّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْبَحْرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْعِلَّةُ فِي فَسَادِهِ ظُهُورُ الْحَبَلِ قَبْلَ تَمَامِ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: وَأَفَادَ بِالتَّزْوِيجِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ. قَالُوا: هُوَ مُسْتَحَبٌّ كَاسْتِبْرَاءِ الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَبِلَتْ مِنْهُ فَيَكُونُ النِّكَاحُ فَاسِدًا فَكَانَ تَعْرِيضًا لِلْفَسَادِ. اهـ. ط.
قُلْت: وَقَدَّمْنَا فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ أَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ، وَقَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ حَبَلُهَا مِنْهُ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَكُونُ النِّكَاحُ فَاسِدًا سَوَاءٌ اسْتَبْرَأَهَا أَوْ لَا، وَيُفِيدُهُ عِبَارَةُ كَافِي الْحَاكِمِ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أُمَّ وَلَدِهِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، فَيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ، فَإِنْ زَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مِنْ الْمَوْلَى وَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ. اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ حَامِلًا، وَمَا رَأَتْهُ مِنْ الدَّمِ اسْتِحَاضَةً، وَالْوِلَادَةُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزْوِيجِ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ عَلَى كَوْنِهَا حَامِلًا وَقْتَهُ، فَلَا تُعَارِضُهُ الْعَلَامَةُ الظَّاهِرَةُ الْغَالِبَةُ.
وَلَا يُقَالُ: إنَّ تَزْوِيجَهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ يَكُونُ نَفْيًا لِلْوَلَدِ فَلَا يَثْبُتُ مِنْهُ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا يَكُونُ نَفْيًا لَهُ إذَا عَلِمَ بِوُجُودِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ التَّوْشِيحِ، أَمَّا إذَا زَوَّجَهَا عَلَى ظَنِّ عَدَمِ وُجُودِهِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ نَفْيًا لِنَسَبِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِلْأَمَةِ) فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ، وَيَنْتَفِي بِلَا لِعَانٍ (قَوْلُهُ لِأُمِّ الْوَلَدِ) يَثْبُتُ بِلَا دَعْوَةٍ، وَيَنْتَفِي بِلَا لِعَانٍ، وَيَمْلِكُ نَقْلَ فِرَاشِهَا بِالتَّزْوِيجِ (قَوْلُهُ لِلْمُعْتَدَّةِ) أَيْ مُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ ح (قَوْلُهُ لِعَدَمِ اللِّعَانِ) لِأَنَّ شَرْطَ اللِّعَانِ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ، بِأَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةً أَوْ مُعْتَدَّةَ رَجْعِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ ح (قَوْلُهُ إلَّا إذَا قَضَى بِهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَكِنَّهُ يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ ط (قَوْلُهُ غَيْرُ حَنَفِيٍّ) أَمَّا الْحَنَفِيُّ فَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ مِنْ غَيْرِ صَرِيحِ الدَّعْوَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ يَرَى ذَلِكَ) أَيْ يَرَى صِحَّةَ الْقَضَاءِ بِأَنَّهُ وَلَدُهُ بَعْدَ نَفْيِهِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي اللِّعَانِ) حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ نَفْيُ الْوَلَدِ الْحَيِّ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ وَمُدَّتُهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ عَادَةً وَعِنْدَ ابْتِيَاعِ آلَةِ الْوِلَادَةِ صَحَّ، وَبَعْدَهُ لَا لِإِقْرَارِهِ بِهِ دَلَالَةً. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الرِّضَا) عِبَارَةُ الْبَحْرِ لِأَنَّ التَّطَاوُلَ دَلِيلُ إقْرَارِهِ لِوُجُودِ دَلِيلِهِ مِنْ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ كَالتَّصْرِيحِ (قَوْلُهُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ) زَادَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ كَمَا إذَا مَاتَ وَلَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ لِأَنَّ فِرَاشَهَا تَأَكَّدَ بِالْحُرِّيَّةِ اهـ
(قَوْلُهُ يَعْنِي الْكَافِرَ) أَيْ لِيَشْمَلَ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ أَمَّا الَّذِي فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ، فَهُوَ مَعْلُومٌ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ مُدَبَّرَتُهُ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَيْضًا (قَوْلُهُ نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ) أَيْ جَانِبِ أُمِّ الْوَلَدِ بِدَفْعِ الذُّلِّ عَنْهَا بِصَيْرُورَتِهَا حَرَّةً يَدًا وَجَانِبِ الذِّمِّيِّ لِيَصِلَ إلَى بَدَلِ مِلْكِهِ.
مَطْلَبُ خُصُومَةِ الذِّمِّيِّ أَشَدُّ مِنْ خُصُومَةِ الْمُسْلِمِ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ خُصُومَةَ الذِّمِّيِّ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْغَصْبِ: مُسْلِمٌ غَصَبَ مِنْ ذِمِّيٍّ مَالًا أَوْ سَرَقَهُ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالًا مَعْصُومًا وَالذِّمِّيُّ لَا يُرْجَى مِنْهُ الْعَفْوُ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فَكَانَتْ خُصُومَةُ الذِّمِّيِّ أَشَدَّ، وَعِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute