للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَكُلُّ إهَابٍ) وَمِثْلُهُ الْمَثَانَةُ وَالْكِرْشُ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَالْأَوْلَى وَمَا (دُبِغَ) وَلَوْ بِشَمْسٍ (وَهُوَ يَحْتَمِلُهَا طَهُرَ) فَيُصَلَّى بِهِ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ (وَمَا لَا) يَحْتَمِلُهَا (فَلَا) وَعَلَيْهِ (فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ حَيَّةٍ) صَغِيرَةٍ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، أَمَّا قَمِيصُهَا فَطَاهِرٌ (وَفَأْرَةٍ) كَمَا أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِذَكَاةٍ

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الدِّبَاغَةِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ إهَابٍ إلَخْ) الْإِهَابُ: بِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلْجِلْدِ قَبْلَ أَنْ يُدْبَغَ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ جَمْعُهُ أُهُبٌ بِضَمَّتَيْنِ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ، فَإِذَا دُبِغَ سُمِّيَ أَدِيمًا وَصَرْمًا وَجِرَابًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الدِّبَاغَةَ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ وَإِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهَا فِي تَطْهِيرِ النَّجَاسَاتِ اسْتِطْرَادٌ، إمَّا لِصُلُوحِ الْإِهَابِ بَعْدَ دَبْغِهِ أَنْ يَكُونَ وِعَاءً لِلْمِيَاهِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ، أَوْ؛ لِأَنَّ الدَّبْغَ مُطَهِّرٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَا وَقَعَ فِيهِ إهَابٌ دُبِغَ كَمَا نُقِلَ عَنْ حَوَاشِي عِصَامٍ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ الْمَثَانَةُ وَالْكَرِشُ) الْمَثَانَةُ مَوْضِعُ الْبَوْلِ، وَالْكِرْشُ: بِالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ لِكُلِّ مُجْتَرٍّ بِمَنْزِلَةِ الْمَعِدَةِ لِلْإِنْسَانِ قَامُوسٌ، وَمِثْلُهُ الْأَمْعَاءُ.

وَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ: أَصْلَحَ أَمْعَاءَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ فَصَلَّى وَهِيَ مَعَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَوْتَارُ وَهُوَ كَالدَّبَّاغِ. وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَغَ الْمَثَانَةَ فَجَعَلَ فِيهَا لَبَنٌ جَازَ، وَكَذَلِكَ الْكِرْشُ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إصْلَاحِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ إنَّهُ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ كَاللَّحْمِ. اهـ (قَوْلُهُ فَالْأَوْلَى وَمَا دُبِغَ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الْحُكْمُ غَيْرَ قَاصِرٍ عَلَى الْإِهَابِ، فَالْأَوْلَى الْإِتْيَانُ " بِمَا " الدَّالَّةُ عَلَى الْعُمُومِ ط (قَوْلُهُ دُبِغَ) الدِّبَاغُ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ وَالْفَسَادَ.

وَاَلَّذِي يَمْنَعُ عَلَى نَوْعَيْنِ: حَقِيقِيٍّ كَالْقَرَظِ وَالشَّبِّ وَالْعَفْصِ وَنَحْوِهِ. وَحُكْمِيٍّ كَالتَّتْرِيبِ وَالتَّشْمِيسِ وَالْإِلْقَاءِ فِي الرِّيحِ، وَلَوْ جَفَّ وَلَمْ يَسْتَحِلْ لَمْ يَطْهُرْ زَيْلَعِيٌّ: وَالْقَرَظُ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالضَّادِ: وَرَقُ شَجَرِ السَّلَمِ بِفَتْحَتَيْنِ. وَالشَّبُّ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَقِيلَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ، وَهُوَ نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ مُرُّ الطَّعْمِ يُدْبَغُ بِهِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِشَمْسٍ) أَيْ وَنَحْوِهِ مِنْ الدِّبَاغِ الْحُكْمِيِّ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَإِلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَوْعَيْ الدِّبَاغَةِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ.

قَالَ الْبَحْرُ إلَّا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ بَعْدَ الدِّبَاغِ الْحَقِيقِيِّ لَا يَعُودُ نَجِسًا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَبَعْدَ الْحُكْمِيِّ فِيهِ رِوَايَتَانِ. اهـ. وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْعَوْدِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ، وَقَيَّدَ الْخِلَافَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ بِمَا إذَا دُبِغَ بِالْحُكْمِيِّ قَبْلَ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ قَالَ: فَلَوْ بَعْدَهُ لَا تَعُودُ نَجَاسَتُهُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ هُوَ يَحْتَمِلُهَا) أَيْ الدِّبَاغَةَ الْمَأْخُوذَةَ مِنْ دَبَغَ. وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَكُلُّ إهَابٍ لَا يَتَنَاوَلُ مَا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ طَهُرَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُصَلِّي بِهِ إلَخْ) أَفَادَ طَهَارَةَ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ خِلَافًا لِمَالِكٍ، لَكِنْ إذَا كَانَ جِلْدَ حَيَوَانٍ مَيِّتٍ مَأْكُولِ اللَّحْمِ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] وَهَذَا الْجُزْءُ مِنْهَا. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» مَعَ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالدِّبَاغِ وَالِانْتِفَاعِ، أَمَّا إذَا كَانَ جِلْدَ مَا لَا يُؤْكَلُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ فِيهِ لَيْسَ بِأَقْوَى مِنْ الذَّكَاةِ، وَذَكَاتُهُ لَا تُبِيحُهُ فَكَذَا دِبَاغُهُ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ.

(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ وَبِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ لَا يَطْهُرُ (قَوْلُهُ جِلْدُ حَيَّةٍ صَغِيرَةٍ) أَيْ لَهَا دَمٌ، أَمَّا مَا لَا دَمَ لَهَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ لَا تُفْسِدُهُ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ أَمَّا قَمِيصُهَا) أَيْ الْحَيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَبِيرَةً. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: لِأَنَّهُ لَا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ، فَهُوَ كَالشَّعْرِ وَالْعَظْمِ (قَوْلُهُ وَفَأْرَةٍ) بِالْهَمْزَةِ وَتُبْدَلُ أَلِفًا (قَوْلُهُ بِذَكَاةٍ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ ذَبْحٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>