للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِتَقَيُّدِهِمَا بِمَا يَحْتَمِلُهُ (خَلَا) جِلْدِ (خِنْزِيرٍ) فَلَا يَطْهُرُ، وَقُدِّمَ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ لِلْإِهَانَةِ (وَآدَمِيٍّ) فَلَا يُدْبَغُ لِكَرَامَتِهِ، وَلَوْ دُبِغَ طَهُرَ وَإِنْ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ، حَتَّى لَوْ طُحِنَ عَظْمُهُ فِي دَقِيقٍ لَمْ يُؤْكَلْ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَامًا. وَأَفَادَ كَلَامُهُ طَهَارَةَ جِلْدِ كَلْبٍ وَفِيلٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

(وَمَا) أَيْ إهَابٌ (طَهُرَ بِهِ) بِدِبَاغٍ

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ لِتَقَيُّدِهِمَا) أَيْ الذَّكَاةِ وَالدِّبَاغِ بِمَا يَحْتَمِلُهُ أَيْ يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ، وَكَانَ الْأَوْلَى إفْرَادَ الضَّمِيرِ لِيَعُودَ عَلَى الذَّكَاةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ تَقَيُّدَ الدِّبَاغِ بِذَلِكَ مُصَرَّحٌ بِهِ قَبْلَهُ.

وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ: لِأَنَّ الذَّكَاةَ إنَّمَا تُقَامُ مَقَامَ الدِّبَاغِ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ.

وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ خَطِّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي الْفَرْقُ بَيْنَ الذَّكَاةِ وَالدِّبَاغَةِ لِخُرُوجِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِالذَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ الْجِلْدُ لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ أَكْثَرَ الْكُتُبِ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ خَلَا جِلْدِ خِنْزِيرٍ إلَخْ) قِيلَ: إنَّ جِلْدَ الْآدَمِيِّ كَجِلْدِ الْخِنْزِيرِ فِي عَدَمِ الطَّهَارَةِ بِالدَّبْغِ لِعَدَمِ الْقَابِلِيَّةِ؛ لِأَنَّ لَهُمَا جُلُودًا مُتَرَادِفَةً بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ.

وَقِيلَ: إنَّ جِلْدَ الْآدَمِيِّ إذَا دُبِغَ طَهُرَ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْغَايَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَعْنَى طَهُرَ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ وَالْعَلَاقَةُ السَّبَبِيَّةُ والمسببية لَا اللُّزُومُ كَمَا قِيلَ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الطَّهَارَةِ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ كَمَا عَلِمْته، لَكِنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا مُخْتَلِفَةٌ، فَفِي الْخِنْزِيرِ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ، وَفِي الْآدَمِيِّ لِكَرَامَتِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْعُدُولِ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَوْلَى.

اهـ أَيْ لِمُوَافَقَتِهِ الْمَنْقُولَ فِي الْمَذْهَبِ وَإِلَى اخْتِيَارِهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ دُبِغَ طَهُرَ، قَالَ ط: وَإِنَّمَا قُدِّرَ جِلْدٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ لَا فِي كُلِّ الْمَاهِيَّةِ (قَوْلُهُ فَلَا يَطْهُرُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، بِمَعْنَى أَنَّ ذَاتَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ نَجِسَةٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، فَلَيْسَتْ نَجَاسَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّمِ كَنَجَاسَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ، فَلِذَا لَمْ يَقْبَلْ التَّطْهِيرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهَا فِي الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَقُدِّمَ إلَخْ) لَمَّا كَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِالشَّيْءِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى غَيْرِهِ تُفِيدُ الِاهْتِمَامَ بِشَأْنِهِ وَشَرَفِهِ عَلَى مَا بَعْدَهُ، بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَقَامِ الْإِهَانَةِ، أَمَّا فِيهِ فَالْأَشْرَفُ يُؤَخَّرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} [الحج: ٤٠] الْآيَةَ؛ لِأَنَّ الْهَدْمَ إهَانَةٌ فَقُدِّمَتْ صَوَامِعُ الصَّابِئَةِ أَوْ الرُّهْبَانِ وَبِيَعُ النَّصَارَى وَصَلَوَاتُ الْيَهُودِ أَيْ كَنَائِسُهُمْ، وَأُخِّرَتْ مَسَاجِدُ الْمُسْلِمِينَ لِشَرَفِهَا.

وَهُنَا الْحُكْمُ بِعَدَمِ الطَّهَارَةِ إهَانَةٌ كَذَا قِيلَ. أَقُولُ: وَإِنَّمَا تَظْهَرُ هَذِهِ النُّكْتَةُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الطَّهَارَةِ لَا مِنْ جَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ الثَّابِتِ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّ عَدَمَهُ الثَّابِتَ لِلْمُسْتَثْنَى لَيْسَ بِإِهَانَةٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ اسْتِعْمَالُ جِلْدِهِ أَوْ اسْتِعْمَالُ الْآدَمِيِّ بِمَعْنَى أَجْزَائِهِ وَبِهِ يَظْهَرُ التَّفْرِيعُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ احْتِرَامًا) أَيْ لَا نَجَاسَةً (قَوْلُهُ وَأَفَادَ كَلَامُهُ) حَيْثُ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ مُطْلَقِ الْإِهَابِ سِوَى الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَمَّا فِي الْكَلْبِ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، وَهُوَ أَصَحُّ التَّصْحِيحَيْنِ كَمَا يَأْتِي.:

وَأَمَّا فِي الْفِيلِ فَكَذَلِكَ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْتَشِطُ بِمُشْطٍ مِنْ عَاجٍ " وَفَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ بِعَظْمِ الْفِيلِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَخَطِئَ الْخَطَّابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لَهُ بِالذَّبْلِ. اهـ. وَالذَّبْلُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: جِلْدُ السُّلَحْفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ أَوْ الْبَرِّيَّةِ أَوْ عِظَامُ ظَهْرِ دَابَّةٍ بَحْرِيَّةٍ قَامُوسٌ. وَفِي الْفَتْحِ: هَذَا الْحَدِيثُ يُبْطِلُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْفِيلِ.

(قَوْلُهُ بِدِبَاغٍ) بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِإِعَادَةِ الْجَارِ فَلَا يَطْهُرُ بِذَكَاةٍ مَا لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ صَلَّى وَمَعَهُ جِلْدُ حَيَّةٍ مَذْبُوحَةٍ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة. وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْحَيَّةَ وَالْفَأْرَةَ وَكُلَّ مَا لَا يَكُونُ سُؤْرُهُ نَجِسًا لَوْ صَلَّى بِلَحْمِهِ مَذْبُوحًا تَجُوزُ مُشْكِلٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>