وَهَلْ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قِيلَ نَعَمْ لِلنَّهْيِ وَعَامَّتُهُمْ لَا وَبِهِ أَفْتَوْا لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا، وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ كَقَوْلِهِمْ بِأَبِيك وَلَعَمْرُك وَنَحْوَ ذَلِكَ عَيْنِيٌّ
(وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْغَمُوسِ وَاللَّغْوِ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى فَيَقَعُ بِهِمَا الطَّلَاقُ وَنَحْوُهُ عَيْنِيٌّ فَلْيُحْفَظْ. وَلَا يُرَدُّ نَحْوُ هُوَ يَهُودِيٌّ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ وَجْهَ الْكِنَايَةِ بَدَائِعُ (غَمُوسٌ) تَغْمِسُهُ فِي الْإِثْمِ ثُمَّ النَّارِ، وَهِيَ كَبِيرَةٌ مُطْلَقًا، لَكِنَّ إثْمَ الْكَبَائِرِ مُتَفَاوِتٌ نَهْرٌ (إنْ حَلَفَ عَلَى كَاذِبٍ عَمْدًا)
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ تَعَالَى
(قَوْلُهُ وَهَلْ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا مَشْرُوعٌ، وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَمِينًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا يُكْرَهُ، وَتَقْلِيلُهُ أَوْلَى مِنْ تَكْثِيرِهِ، وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهَا، وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ لَا تُكْرَهُ لِأَنَّهَا يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا، وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ كَقَوْلِهِمْ وَأَبِيك وَلَعَمْرِي اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِهِ تَعَالَى تَارَةً يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ: أَيْ اتِّثَاقُ الْخَصْمِ بِصِدْقِ الْحَالِفِ كَالتَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حَرْفُ الْقَسَمِ، وَتَارَةً لَا يَحْصُلُ مِثْلُ وَأَبِيك وَلَعَمْرِي فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْحِنْثِ فِيهِ شَيْءٌ فَلَا تَحْصُلُ بِهِ الْوَثِيقَةُ، بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ وَالْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ تَعَالَى» إلَخْ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ عَلَى غَيْرِ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا لِمَا فِيهِ مِنْ مُشَارَكَةِ الْمُقْسَمِ بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي التَّعْظِيمِ. وَأَمَّا إقْسَامُهُ تَعَالَى بِغَيْرِهِ كَالضُّحَى وَالنَّجْمِ وَاللَّيْلِ فَقَالُوا إنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى، إذْ لَهُ أَنْ يُعَظِّمَ مَا شَاءَ وَلَيْسَ لَنَا ذَلِكَ بَعْدَ نَهْيِنَا. وَأَمَّا التَّعْلِيقُ فَلَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمٌ بَلْ فِيهِ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ مَعَ حُصُولِ الْوَثِيقَةِ فَلَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَإِنَّمَا كَانَتْ الْوَثِيقَةُ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي زَمَانِنَا لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْحِنْثِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ. أَمَّا التَّعْلِيقُ فَيَمْتَنِعُ الْحَالِفُ فِيهِ مِنْ الْحِنْثِ خَوْفًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ: فَلَوْ حَلَفَ بِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ أَوْ عَلَى الْمَاضِي يُكْرَهُ (قَوْلُهُ وَلَعَمْرُك) أَيْ بَقَاؤُك وَحَيَاتُك، بِخِلَافِ لَعَمْرُ اللَّهِ فَإِنَّهُ قَسَمٌ كَمَا سَيَأْتِي
(قَوْلُهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْغَمُوسِ وَاللَّغْوِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ تَصَوُّرِ حُكْمِهِمَا، وَإِلَّا نَافَى قَوْلَهُ فَيَقَعُ بِهِمَا ح (قَوْلُهُ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى) أَيْ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (قَوْلُهُ فَيَقَعُ بِهِمَا) أَيْ بِالْغَمُوسِ وَاللَّغْوِ (قَوْلُهُ وَلَا يُرَدُّ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ إلَخْ لَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ، إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا مُتَعَمِّدًا الْكَذِبَ أَوْ عَلَى ظَنِّ الصِّدْقِ فَهُوَ غَمُوسٌ أَوْ لَغْوٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْ وَجْهَ الْكِنَايَةِ) أَقُولُ: يُمْكِنُ تَقْرِيرُ وَجْهِ الْكِنَايَةِ بِأَنْ يُقَالَ: مَقْصُودُ الْحَالِفِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ الِامْتِنَاعُ عَنْ الشَّرْطِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ النُّفْرَةَ عَنْ الْيَهُودِيَّةِ، وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ النُّفْرَةَ عَنْ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاَللَّهِ الْعَظِيمِ لَا أَفْعَلُ كَذَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ تَغْمِسُهُ فِي الْإِثْمِ ثُمَّ النَّارِ) بَيَانُ لِمَا فِي صِيغَةِ فَعُولٍ مِنْ الْمُبَالَغَةِ ح (قَوْلُهُ وَهِيَ كَبِيرَةٌ مُطْلَقًا) أَيْ اقْتَطَعَ بِهَا حَقَّ مُسْلِمٍ أَوْ لَا، وَهَذَا رَدٌّ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً إذَا اقْتَطَعَ بِهَا مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ آذَاهُ، وَصَغِيرَةً إنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مَفْسَدَةٌ، فَقَدْ نَازَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» ، وَقَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ إنَّ إطْلَاقَ الْيَمِينِ عَلَيْهَا مَجَازٌ لِأَنَّهَا عَقْدٌ مَشْرُوعٌ وَهَذِهِ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ صَرِيحٌ فِيهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إثْمَ الْكَبَائِرِ مُتَفَاوِتٌ. اهـ.
وَكَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: أَيُّ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمُ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ عَلَى كَاذِبٍ) أَيْ عَلَى كَلَامٍ كَاذِبٍ: أَيْ مَكْذُوبٍ. وَفِي نُسْخَةٍ: عَلَى كَذِبٍ (قَوْلُهُ عَمْدًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ حَلَفَ: أَيْ عَامِدًا، وَمَجِيءُ