وَكَاللَّغْوِ حَلِفُهُ عَلَى مَاضٍ صَادِقًا كَوَاللَّهِ إنِّي لَقَائِمٌ الْآنَ فِي حَالِ قِيَامِهِ
(وَ) ثَالِثُهَا (مُنْعَقِدَةٌ وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى) مُسْتَقْبَلٍ (آتٍ) يُمْكِنُهُ، فَنَحْوُ: وَاَللَّهِ لَا أَمُوتُ وَلَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ مِنْ الْغَمُوسِ (وَ) هَذَا الْقِسْمُ (فِيهِ الْكَفَّارَةُ) لِآيَةِ - {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: ٨٩]- وَلَا يُتَصَوَّرُ حِفْظٌ إلَّا فِي مُسْتَقْبَلٍ (فَقَطْ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُكَفِّرُ فِي الْغَمُوسِ أَيْضًا (إنْ حَنِثَ، وَهِيَ) أَيْ الْكَفَّارَةُ (تَرْفَعُ الْإِثْمَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ) مِنْهُ (التَّوْبَةُ) عَنْهَا (مَعَهَا) أَيْ مَعَ الْكَفَّارَةِ سِرَاجِيَّةٌ (وَلَوْ) الْحَالِفُ (مُكْرَهًا) أَوْ مُخْطِئًا
ــ
[رد المحتار]
فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَكَاللَّغْوِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ حَلِفَهُ عَلَى مَاضٍ صَادِقًا يَمِينٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ فَيَكُونُ قِسْمًا رَابِعًا، وَهُوَ مُبْطِلٌ لِحَصْرِهِمْ الْيَمِينَ فِي الثَّلَاثَةِ. وَأَجَابَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّهُمْ أَرَادُوا حَصْرَ الْيَمِينِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ وَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْأَحْكَامَ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ عَدَمَ الْإِثْمِ فِيهَا حُكْمٌ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ نَظَرٌ. قَالَ ح: وَالْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ، وَلَا وَجْهَ لِلنَّظَرِ. اهـ.
قُلْت: وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ لَا فِي مُطْلَقِ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ كَوَاللَّهِ إنِّي لَقَائِمٌ الْآنَ) تَبِعَ فِيهِ النَّهْرُ، وَكَأَنَّهُ تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمَاضِيَ كَالْحَالِ. وَالْأَحْسَنُ قَوْلُ الْفَتْحِ كَوَاللَّهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ أَمْسِ
(قَوْلُهُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. اهـ. ح. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ لَفْظَ آتٍ اسْمُ فَاعِلٍ، وَحَقِيقَتُهُ مَا اتَّصَفَ بِالْوَصْفِ فِي الْحَالِ فَمِثْلُ قَائِمٍ حَقِيقَةً فِيمَنْ اتَّصَفَ بِالْإِتْيَانِ فِي الْحَالِ وَيَحْتَمِلُ الِاسْتِقْبَالَ، وَكَذَا لَفْظُ آتٍ حَقِيقَةً فِيمَنْ اتَّصَفَ بِالْإِتْيَانِ فِي الْحَالِ، وَيَحْتَمِلُ الِاسْتِقْبَالَ فَزَادَ الشَّارِحُ لَفْظَ مُسْتَقْبَلٍ لِدَفْعِ إرَادَةِ الْحَالِ.
وَلَا يَرِدُ أَنَّ لَفْظَ مُسْتَقْبَلٍ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ أَيْضًا. لِأَنَّا نَقُولُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ فِي الْحَالِ بِكَوْنِهِ مُسْتَقْبَلًا أَيْ مُنْتَظَرًا وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي حُصُولَهُ فِي الْحَالِ، لَكِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ تَأْخِيرَ مُسْتَقْبَلٍ عَنْ آتٍ (قَوْلُهُ يُمْكِنُهُ) أَشَارَ إلَى مَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: وَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِالْفِعْلِ فِعْلُ الْحَالِفِ لِيَخْرُجَ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَا أَمُوتُ إلَخْ، لَكِنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ الْمُمْكِنِ وَغَيْرِهِ، وَتَعْبِيرُ الشَّارِحِ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى عِبَارَةِ النَّهْرِ نَحْوِ وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ مَعَ أَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْمِثَالَ مِنْ الْغَمُوسِ، لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا عَلِمَ وَقْتَ الْحَلِفِ أَنَّهُ لَا مَاءَ فِيهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَيْسَ مِنْهَا وَلَا مِنْ الْمُنْعَقِدَةِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ جُعِلَتْ مِنْ اللَّغْوِ انْتَقَضَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا لَا تَكُونُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهَا غَيْرُ يَمِينٍ أَصْلًا سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَا، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْيَمِينِ إمْكَانُ الْبِرِّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ حِفْظٌ إلَّا فِي مُسْتَقْبَلٍ) قُلْت: كَوْنُ الْحِفْظِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي مُسْتَقْبَلٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي مَاضٍ أَوْ فِي حَالٍ لِأَنَّ الْحِفْظَ مَنْعُ نَفْسِهِ عَنْ الْحِنْثِ فِيهَا بَعْدَ وُجُودِهَا مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الْهَتْكِ وَالْحِفْظِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ كُلَّ مُسْتَقْبَلٍ كَذَلِكَ: أَيْ يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِفْظُ حَتَّى يُرَدَّ عَلَيْهِ الْغَمُوسُ الْمُسْتَقْبَلَةُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ حِفْظُهَا نَعَمْ يَرِدُ لَوْ قَالَ وَلَا يُتَصَوَّرُ مُسْتَقْبَلٌ إلَّا مَحْفُوظًا. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ ظَاهِرٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَقَطْ) قَيْدٌ لِلْهَاءِ مِنْ فِيهِ، فَالْمَعْنَى أَنَّ فِيهِ لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ قَسِيمَيْهِ الْكَفَّارَةَ لَا لِلْكَفَّارَةِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَعْنَى أَنَّ فِيهِ الْكَفَّارَةَ لَا غَيْرَهَا مِنْ الْإِثْمِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَفِيهِ فَقَطْ الْكَفَّارَةُ. اهـ. ح وَهَذَا جَوَابٌ لِلْعَيْنِيِّ دَفَعَ بِهِ اعْتِرَاضَ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى الْكَنْزِ بِأَنَّ الْمُنْعَقِدَةَ فِيهَا إثْمٌ أَيْضًا.
وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْإِثْمَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهَا لِأَنَّ الْحِنْثَ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ تَخَلَّفَ لِعَارِضٍ فَلَا يُرَدُّ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ التَّوْبَةُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْيَمِينِ، وَالْمُرَادُ عَنْ حِنْثِهِ فِيهَا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّوْبَةِ وَقَوْلُهُ مَعَهَا مُتَعَلِّقٌ بِتُوجَدْ وَفِي عَدَمِ لُزُومِ التَّوْبَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ كَلَامٌ قَدَّمْنَاهُ فِي جِنَايَاتِ الْحَجِّ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ أَوْ مُخْطِئًا) مَنْ أَرَادَ شَيْئًا فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. قَالَ فِي النَّهْرِ: كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي الْمَاءَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute