أَوْ ذَاهِلًا أَوْ سَاهِيًا (أَوْ نَاسِيًا) بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ نَسِيَ وَحَلَفَ، فَيُكَفِّرُ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً لِحِنْثِهِ وَأُخْرَى إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَيْنِيٌّ لِحَدِيثِ «ثَلَاثٌ هَزْلُهُنَّ جِدٌّ» مِنْهَا الْيَمِينُ (فِي الْيَمِينِ أَوْ الْحِنْثِ) فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مُكْرَهًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَكَذَا) يَحْنَثُ
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ
(قَوْلُهُ أَوْ ذَاهِلًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا) قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَجَزَمَ كَثِيرٌ بِاتِّحَادِ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ، لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ السَّهْوَ زَوَالُ الصُّورَةِ عَنْ الْمُدْرِكَةِ مَعَ بَقَائِهَا فِي الْحَافِظَةِ. وَالنِّسْيَانَ زَوَالُهَا عَنْهُمَا مَعًا فَيَحْتَاجُ حِينَئِذٍ فِي حُصُولِهَا إلَى سَبَبٍ جَدِيدٍ وَقِيلَ النِّسْيَانُ عَدَمُ ذِكْرِ مَا كَانَ مَذْكُورًا. وَالسَّهْوُ غَفْلَةٌ عَمَّا كَانَ مَذْكُورًا وَمَا لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا، فَالنِّسْيَانُ أَخَصُّ مِنْهُ. مُطْلَقًا. وَقِيلَ يُسَمَّى زَوَالُ إدْرَاكٍ سَابِقٍ قَصُرَ زَمَانُ زَوَالِهِ نِسْيَانًا وَغَفْلَةً لَا سَهْوًا، وَزَوَالُ إدْرَاكٍ سَابِقٍ طَالَ زَمَانُ زَوَالِهِ سَهْوًا وَنِسْيَانًا، فَالنِّسْيَانُ أَعَمُّ مِنْهُ مُطْلَقًا. وَقَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ الْوُجْدَانِيَّاتِ الَّتِي لَا تَفْتَقِرُ إلَى تَعْرِيفٍ بِحَسَبِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ النِّسْيَانَ كَمَا يَعْلَمُ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ اهـ ح.
قُلْت: لَكِنَّ ظُهُورَ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّهْوِ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّعْرِيفِ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: فَرَّقُوا بَيْنَ السَّاهِي وَالنَّاسِي، بِأَنَّ النَّاسِيَ إذَا ذَكَّرْتَهُ تَذَكَّرَ، وَالسَّاهِي بِخِلَافِهِ. اهـ. وَعَلَيْهِ فَالسَّهْوُ أَبْلَغُ مِنْ النِّسْيَانِ، وَفِيهِ ذَهَلَ بِفَتْحَتَيْنِ ذُهُولًا غَفَلَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: ذَهَلَ عَنْ الْأَمْرِ تَنَاسَاهُ عَمْدًا وَشُغِلَ عَنْهُ وَفِي لُغَةٍ مِنْ بَابِ تَعِبَ (قَوْلُهُ بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَرَادَ بِالنَّاسِي الْمُخْطِئَ. وَفِي الْكَافِي: وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْعِنَايَةِ. وَالْفَتْحِ هُوَ مَنْ تَلَفَّظَ بِالْيَمِينِ ذَاهِلًا عَنْهُ، وَالْمُلْجِئُ إلَى ذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ النِّسْيَانِ فِي الْيَمِينِ لَا تُتَصَوَّرُ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَقَالَ الْعَيْنِيُّ وَتَبِعَهُ الشُّمُنِّيُّ: بَلْ تُصَوَّرُ بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ نَسِيَ الْحَلِفَ السَّابِقَ فَحَلَفَ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا لَا أَنَّ حَلِفَهُ كَانَ نَاسِيًا. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نَاسِيًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ يَمِينًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَأُخْرَى بِاعْتِبَارِ حِنْثِهِ فِي الْيَمِينِ اهـ كَلَامُ النَّهْرِ.
أَقُولُ: الْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ، فَإِنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا وَإِنْ لَمْ يُنَافِ كَوْنَهُ يَمِينًا، لَكِنْ تَعَلَّقَ النِّسْيَانُ بِهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ حِنْثًا لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ يَمِينًا إذْ هُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ النِّسْيَانُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ. اهـ. ح (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِلْعَلَّامَةِ مُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي: لَفْظُ الْيَمِينِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ إنَّمَا الْمَعْرُوفُ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فَقَالَ «الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعَتَاقُ» ". اهـ.
وَفِي الْفَتْحِ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ جَعْلُ الْهَزْلِ بِالْيَمِينِ جِدًّا وَالْهَازِلُ قَاصِدٌ الْيَمِينَ غَيْرَ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ شَرْعًا بَعْدَ مُبَاشَرَتِهِ السَّبَبَ مُخْتَارًا، وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَصْلًا وَلَمْ يَدْرِ مَا صُنِعَ، وَكَذَا الْمُخْطِئ لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ التَّلَفُّظَ بِهِ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ، فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِي الْهَازِلِ وَارِدًا فِي النَّاسِي الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ مُبَاشَرَةَ السَّبَبِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ نَصًّا وَلَا قِيَاسًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْيَمِينِ أَوْ الْحِنْثِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْإِكْرَاهُ أَوْ النِّسْيَانُ فِي نَفْسِ الْيَمِينِ وَقَدْ مَرَّ، أَوْ فِي الْحِنْثِ بِأَنْ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا لِأَنَّ الْفِعْلَ شَرْطُ الْحِنْثِ وَهُوَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ وَالْفِعْلُ الْحَقِيقِيُّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ) فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ فَصَبَّ الْمَاءَ فِي حَلْقِهِ مُكْرَهًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute