للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صِفَةِ ذَاتٍ لَا يُوصَفُ بِضِدِّهَا (كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ) وَمَلَكُوتِهِ وَجَبَرُوتِهِ (وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ) أَوْ صِفَةِ فِعْلٍ يُوصَفُ بِهَا وَبِضِدِّهَا كَالْغَضَبِ وَالرِّضَا، فَإِنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، فَمَا تُعُورِفَ الْحَلِفُ بِهِ فَيَمِينٌ وَمَا لَا فَلَا.

(لَا) يُقْسَمُ (بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ) قَالَ الْكَمَال: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ الْآنَ مُتَعَارَفٌ فَيَكُونُ يَمِينًا. وَأَمَّا الْحَلِفُ بِكَلَامِ اللَّهِ

ــ

[رد المحتار]

ثُمَّ رَأَيْت الْمُصَنِّفَ اسْتَشْكَلَهُ وَأَجَابَ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ صِفَاتِ الْفِعْلِ تَرْجِعُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى الْقُدْرَةِ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ وَالْقُدْرَةُ صِفَةُ ذَاتٍ اهـ وَمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ صِفَةَ ذَاتٍ) مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ أَوْ صِفَةَ فِعْلٍ بَدَلَ مُفَصَّلٍ مِنْ مُجْمَلٍ، وَقَوْلُهُ لَا يُوصَفُ بِضِدِّهَا إلَخْ بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ كَعِزَّةِ اللَّهِ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: أَيْ غَلَبَتِهِ مِنْ حَدِّ نَصَرَ، أَوْ عَدَمِ النَّظِيرِ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ، أَوْ عَدِمَ الْحَطَّ مِنْ مَنْزِلَتِهِ مِنْ حَدِّ عَلِمَ، وَقَوْلُهُ وَجَلَالِهِ: أَيْ كَوْنِهِ كَامِلَ الصِّفَاتِ وَقَوْلُهُ وَكِبْرِيَائِهِ: أَيْ كَوْنِهِ كَامِلَ الذَّاتِ اهـ (قَوْلُهُ وَمَلَكُوتِهِ وَجَبَرُوتِهِ) بِوَزْنِ فَعَلُوتٍ وَزِيَادَةُ الْهَمْزَةِ فِي جَبَرُوتٍ خَطَأٌ فَاحِشٌ. وَفِي شَرْحِ الشِّفَاءِ لِلشِّهَابِ: الْمَلَكُوتُ صِفَةُ مُبَالَغَةٍ مِنْ الْمُلْكِ كَالرَّحَمُوتِ مِنْ الرَّحْمَةِ، وَقَدْ يُخَصُّ بِمَا يُقَابِلُ عَالَمَ الشَّهَادَةِ وَيُسَمَّى عَالَمَ الْأَمْرِ، كَمَا أَنَّ مُقَابِلَهُ يُسَمَّى عَالَمَ الشَّهَادَةِ وَعَالَمَ الْمُلْكِ اهـ وَفِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ: قَالَ الرَّاغِبُ: أَصْلُ الْجَبْرِ إصْلَاحُ الشَّيْءِ بِضَرْبٍ مِنْ الْقَهْرِ. وَقَدْ يُقَالُ فِي الْإِصْلَاحِ الْمُجَرَّدِ كَقَوْلِ عَلِيٍّ: يَا جَابِرَ كُلِّ كَسِيرٍ وَمُسَهِّلَ كُلِّ عَسِيرٍ، وَتَارَةً فِي الْقَهْرِ الْمُجَرَّدِ اهـ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَعَظَمَتِهِ) أَيْ كَوْنِهِ كَامِلَ الذَّاتِ أَصَالَةً وَكَامِلَ الصِّفَاتِ تَبَعًا، وَقَوْلُهُ وَقُدْرَتِهِ: أَيْ كَوْنِهِ يَصِحُّ مِنْهُ كُلٌّ مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ كَالْغَضَبِ وَالرِّضَا) أَيْ الِانْتِقَامِ وَالْإِنْعَامِ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِصِفَةِ الْفِعْلِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا، فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي أَنَّ الرِّضَا وَالْغَضَبَ لَا يُحْلَفُ بِهِمَا ط (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ) عِلَّةٌ لِلتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ عُرْفًا ط وَهَذَا خَاصٌّ بِالصِّفَاتِ، بِخِلَافِ الْأَسْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ فِيهَا كَمَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ لَا يُقْسَمُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْقَسَمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى: أَيْ لَا يَنْعَقِدُ الْقَسَمُ بِغَيْرِهِ تَعَالَى أَيْ غَيْرِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ كَمَا مَرَّ، بَلْ يَحْرُمُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، بَلْ يُخَافُ مِنْهُ الْكُفْرُ فِي نَحْوِ وَحَيَاتِي وَحَيَاتِك كَمَا يَأْتِي.

مَطْلَبٌ فِي الْقُرْآنِ

(قَوْلُهُ قَالَ الْكَمَالُ إلَخْ) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ بِمَعْنَى كَلَامِ اللَّهِ، فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ حَالِفًا كَالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - " مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ " وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ اهـ. فَقَوْلُهُ وَكَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَسَمٍ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ هُوَ مِنْ قَسَمِ الصِّفَاتِ وَلِذَا عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْقُدُورِيِّ لَكَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ النَّهْيَ الْمَذْكُورَ أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّ التَّعَارُفَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الصِّفَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا فِي غَيْرِهَا. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَتَعْلِيلُ عَدَمِ كَوْنِهِ يَمِينًا بِأَنَّهُ غَيْرُهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِأَنَّهُ حُرُوفٌ وَغَيْرُ الْمَخْلُوقِ هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ مُنِعَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَزَّلَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ إلَّا الْحُرُوفَ الْمُنْقَضِيَةَ الْمُنْعَدِمَةَ، وَمَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَوَّامَ إذَا قِيلَ لَهُمْ إنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ تَعَدَّوْا إلَى الْكَلَامِ مُطْلَقًا. اهـ. وَقَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى إلَخْ رُدَّ لِلْمَنْعِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمَخْلُوقِ هُوَ الْقُرْآنُ بِمَعْنَى كَلَامِ اللَّهِ الصِّفَةُ النَّفْسِيَّةُ الْقَائِمَةُ بِهِ تَعَالَى لَا بِمَعْنَى الْحُرُوفِ الْمُنَزَّلَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>