للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ الْبِرِّ فِيهِ يُكَفِّرُ، وَلَوْلَا أَنَّ الْعَامَّةَ يَقُولُونَهُ وَلَا يَعْلَمُونَهُ لَقُلْت إنَّهُ مُشْرِكٌ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا.

(وَلَا) يُقْسَمُ (بِصِفَةٍ لَمْ يُتَعَارَفْ الْحَلِفُ بِهَا مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَرَحْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَرِضَائِهِ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ وَعَذَابِهِ) وَلَعْنَتِهِ وَشَرِيعَتِهِ وَدِينِهِ وَحُدُودِهِ وَصِفَتِهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْعُرْفِ.

(وَ) الْقَسَمُ أَيْضًا (بِقَوْلِهِ لَعَمْرُ اللَّهِ) أَيْ بَقَاؤُهُ

ــ

[رد المحتار]

بِهَا سَنَةَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ الْبِرِّ فِيهِ يُكَفِّرُ) لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الرَّازِيّ الْمَنْقُولِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ بَلْ مَا بَعْدَهُ، وَهَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ قَبْلَ نَقْلِ كَلَامِ الرَّازِيّ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ ذَكَرَهُ هُنَا لِيُبَيِّنَ بِهِ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ يُكَفِّرُ، وَكَانَ الْأَوْلَى التَّصْرِيحُ بِأَيٍّ التَّفْسِيرِيَّةِ. ثُمَّ الْمُرَادُ بِاعْتِقَادِ وُجُوبِ الْبِرِّ فِيهِ كَمَا قَالَ ح اعْتِقَادُ الْوُجُوبِ الشَّرْعِيِّ بِحَيْثُ لَوْ حَنِثَ أَثِمَ وَهَذَا قَلَّمَا يَقَعُ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَعْلَمُونَ) أَيْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْيَمِينَ مَا كَانَ مُوجِبُهَا الْبِرَّ أَوْ الْكَفَّارَةَ السَّاتِرَةَ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ وَأَنَّ فِي الْحَلِفِ بِاسْمِ غَيْرِهِ تَعَالَى تَسْوِيَةً بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ لَقُلْت إنَّهُ مُشْرِكٌ) أَيْ إنَّ الْحَالِفَ بِذَلِكَ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إنَّهُ شِرْكٌ بِدُونِ مِيمٍ: أَيْ أَنَّ الْحَلِفَ الْمَذْكُورَ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُنْيَةِ أَنَّ الْجَاهِلَ الَّذِي يَحْلِفُ بِرُوحِ الْأَمِيرِ وَحَيَاتِهِ وَرَأْسِهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ إسْلَامُهُ بَعْدُ. وَفِيهِ: وَمَا أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَالضُّحَى وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَحْلِفَ بِهَا (قَوْلُهُ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَخْ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ حُرْمَةَ الْكَذِبِ فِي الْحَلِفِ بِهِ تَعَالَى قَدْ تَسْقُطُ بِالْكَفَّارَةِ، وَالْحَلِفُ بِغَيْرِهِ تَعَالَى أَعْظَمُ حُرْمَةً وَلِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْكُفْرِ وَلَا كَفَّارَةَ لَهُ ط

(قَوْلُهُ وَلَا بِصِفَةٍ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ الْمَارِّ أَوْ بِصِفَةٍ يَحْلِفُ بِهَا، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِي الصِّفَاتِ مُطْلَقًا بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ صِفَاتِ الذَّاتِ وَصِفَاتِ الْفِعْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ، فَالْعِلَّةُ فِي إخْرَاجِ هَذِهِ عَدَمُ الْعُرْفِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا لِأَنَّهُ صِفَةُ ذَاتٍ، لَكِنْ اسْتَحْسَنُوا عَدَمَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ وَهُوَ غَيْرُهُ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا أَرَادَ الصِّفَةَ لِزَوَالِ الِاحْتِمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرِضَائِهِ) الْأَنْسَبُ مَا فِي الْبَحْرِ وَرِضَاهُ لِأَنَّهُ مَقْصُورٌ لَا مَمْدُودٌ (قَوْلُهُ وَسَخَطِهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: سَخِطَ سَخَطًا مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَالسُّخْطُ بِالضَّمِّ اسْمٌ مِنْهُ: وَهُوَ الْغَضَبُ (قَوْلُهُ وَشَرِيعَتِهِ وَدِينِهِ وَحُدُودِهِ) لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهَا هُنَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصِّفَاتِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَحْكَامُ الْمُتَعَبَّدُ بِهَا وَهِيَ غَيْرُهُ تَعَالَى فَلَا يُقْسَمُ بِهَا وَإِنْ تُعُورِفَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَيَأْتِي، فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمِ لَا بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَصِفَتُهُ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ بِصِفَةِ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى مَا يُذْكَرُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ ذِكْرُ الصِّفَةِ كَذِكْرِ الِاسْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ، وَكَذَا قَوْلُهُ " سُبْحَانَ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " لَا أَفْعَلُ كَذَا لِعَدَمِ الْعَادَةِ اهـ

قُلْت: وَلَوْ قَالَ: اللَّهُ الْوَكِيلُ لَا أَفْعَلُ كَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ يَمِينًا فِي زَمَانِنَا لِأَنَّهُ مِثْلُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَكِنَّهُ مُتَعَارَفٌ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْعُرْفُ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَلِفِ بِالصِّفَاتِ.

(قَوْلُهُ وَبِقَوْلِهِ لَعَمْرُ اللَّهِ) بِخِلَافِ لَعَمْرُك وَلَعَمْرُ فُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَقَدْ مَرَّ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالضَّمِّ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْبَقَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَسَمِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ التَّخْفِيفِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ، وَهُوَ مَعَ اللَّامِ مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وُجُوبًا لِسَدِّ جَوَابِ الْقَسَمِ مَسَدَّهُ، وَمَعَ حَذْفِهَا مَنْصُوبٌ نَصْبَ الْمَصَادِرِ وَحَرْفُ الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ، تَقُولُ: عَمْرُ اللَّهِ فَعَلْت.

قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَمْرُك اللَّهُ مَا فَعَلْت فَمَعْنَاهُ بِإِقْرَارِك لَهُ بِالْبَقَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَقِدَ يَمِينًا لِأَنَّهُ بِفِعْلِ الْمُخَاطَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>