للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ تَرْكٌ كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيه وَهَلْ يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ يَعْلَمُ أَوْ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا أَوْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا كَاذِبًا؟ قَالَ الزَّاهِدِيُّ: الْأَكْثَرُ نَعَمْ. وَقَالَ الشُّمُنِّيُّ: الْأَصَحُّ لَا لِأَنَّهُ قَصَدَ تَرْوِيجَ الْكَذِبِ دُونَ الْكُفْرِ؛ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ الْمُصْحَفَ قَائِلًا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لِتَرْوِيجِ كَذِبِهِ لَا إهَانَةِ الْمُصْحَفِ مُجْتَبًى. وَفِيهِ: أُشْهِدُ اللَّهَ لَا أَفْعَلُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهُ وَلَا كَفَّارَةَ، وَكَذَا أُشْهِدُك وَأُشْهِدُ مَلَائِكَتَك لِعَدَمِ الْعُرْفِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَلَا إلَهَ فِي السَّمَاءِ يَكُونُ يَمِينًا وَلَا يَكْفُرُ وَفِي فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الشَّفَاعَةِ لَيْسَ بِيَمِينٍ

ــ

[رد المحتار]

وَالْأُولَى أَظْهَرُ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَرْكٌ) أَيْ لِأَنَّ الْكُفْرَ تَرْكُ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ، بِخِلَافِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ فِعْلٌ وَالْأَفْعَالُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ. قَالَ ح: وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عَرَفْت أَنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ يَكْفُرُ فِيهِمَا لَا لِقَوْلِهِ فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِالتَّعْلِيقِ. اهـ.

قُلْت: لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلْمُخَالَفَةِ وَبَيَانٌ لِوَجْهِ الْفَرْقِ، وَإِلَّا لِعَطْفِهِ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ كَاذِبًا) حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي بِقَوْلِهِ (قَوْلُهُ الْأَكْثَرُ نَعَمْ) لِأَنَّهُ نَسَبَ خِلَافَ الْوَاقِعِ إلَى عِلْمِهِ تَعَالَى فَيَضْمَنُ نِسْبَةَ الْجَهْلِ إلَيْهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَقَالَ الشُّمُنِّيُّ الْأَصَحُّ لَا) جَعَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَنَقَلَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ الْفَتَاوَى تَصْحِيحَ الْأَوَّلِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْكُفْرِ قَالَ ح يَكُونُ حِينَئِذٍ يَمِينًا غَمُوسًا لِأَنَّهُ عَلَى مَاضٍ، وَهَذَا إنْ تُعُورِفَ الْحَلِفُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ تَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ اهـ لَكِنْ عَلِمْت أَنَّ التَّعَارُفَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الصِّفَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ الْمُصْحَفَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى بَعْدَ التَّعْلِيلِ الْمَنْقُولِ هُنَا عَنْ الشُّمُنِّيِّ: هَكَذَا قُلْت فَعَلَى هَذَا إذَا وَطِئَ الْمُصْحَفَ قَائِلًا إنَّهُ فَعَلَ كَذَا أَوْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَانَ كَاذِبًا لَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ تَرْوِيجَ كَذِبِهِ لَا إهَانَةَ الْمُصْحَفِ اهـ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ وَالْحَاوِي: وَلَوْ قَالَ لَهَا ضَعِي رِجْلَك عَلَى الْكُرَّاسَةِ إنْ لَمْ تَكُونِي فَعَلْت كَذَا فَوَضَعَتْ عَلَيْهَا رِجْلَهَا لَا يَكْفُرُ الرَّجُلُ لِأَنَّ مُرَادَهُ التَّخْوِيفُ وَتَكْفُرُ الْمَرْأَةُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ التَّخْوِيفَ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ، وَلَوْ وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى الْمُصْحَفِ حَالِفًا يَتُوبُ، وَفِي غَيْرِ الْحَالِفِ اسْتِخْفَافًا يَكْفُرُ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوَضْعَ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِخْفَافَ، وَمِثْلُهُ فِي الْأَشْبَاهِ حَيْثُ قَالَ: يَكْفُرُ بِوَضْعِ الرِّجْلِ عَلَى الْمُصْحَفِ مُسْتَخِفًّا وَإِلَّا فَلَا. اهـ.

وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ نَفْسَ الْوَضْعِ بِلَا ضَرُورَةٍ يَكُونُ اسْتِخْفَافًا وَاسْتِهَانَةً لَهُ، وَلِذَا قَالَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ التَّخْوِيفَ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ: أَيْ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ التَّخْوِيفَ يَكُونُ مُعَظِّمًا لَهُ لِأَنَّ مُرَادَهُ حَمْلُهَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِأَنَّهَا فَعَلَتْ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّ وَضْعَ الرِّجْلِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لَا تَفْعَلُهُ فَتُقِرُّ بِمَا أَنْكَرَتْهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْ التَّخْوِيفَ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِمَا هُوَ كُفْرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ وَالِاسْتِهَانَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَكْفُرُ مَنْ صَلَّى بِلَا طَهَارَةٍ أَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ اسْتِهَانَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ) قُلْت: هُوَ فِي زَمَانِنَا مُتَعَارَفٌ، وَكَذَا: اللَّهُ يَشْهَدُ أَنِّي لَا أَفْعَلُ، وَمِثْلُهُ شَهِدَ اللَّهُ، عَلِمَ اللَّهُ أَنِّي لَا أَفْعَلُ فَيَنْبَغِي فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا لِلتَّعَارُفِ الْآنَ (قَوْلُهُ يَكُونُ يَمِينًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنَّ الْحَالِفَ إذَا قَصَدَ نَفْيَ الْمَكَانِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِكُفْرٍ بَلْ هُوَ الْإِيمَانُ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفُرُ) لَمَّا كَانَ مُقْتَضَى حَلِفِهِ كَوْنَهُ الْإِلَهَ فِي السَّمَاءِ كَانَ مَظِنَّةَ أَنْ يُتَوَهَّمَ كُفْرُهُ بِنَفْسِ الْحَلِفِ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْمَكَانِ لَهُ تَعَالَى فَقَالَ وَلَا يَكْفُرُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ إطْلَاقَ هَذَا اللَّفْظِ وَارِدٌ فِي النُّصُوصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} [الزخرف: ٨٤]- وقَوْله تَعَالَى - {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦]- فَلَا يَكْفُرُ بِإِطْلَاقِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الظَّرْفِيَّةِ غَيْرَ مُرَادَةٍ، فَبِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِ هَذَا اللَّفْظِ وَارِدًا فِي الْقُرْآنِ كَانَ نَفْيُهُ كُفْرًا وَلِذَا انْعَقَدَتْ بِهِ الْيَمِينُ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، وَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ اعْتِقَادَ حَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ كُفْرٌ كَانَ مَظِنَّةَ كُفْرِهِ لِاقْتِضَاءِ حَلِفِهِ كَوْنَ الْإِلَهِ فِي السَّمَاءِ، هَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ. وَفِي أَوَاخِرِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ عَالِمٌ لَوْ أَرَادَ بِهِ الْمَكَانَ كَفَرَ لَا لَوْ أَرَادَ بِهِ حِكَايَةً عَمَّا جَاءَ فِي ظَاهِرِ الْأَخْبَار

<<  <  ج: ص:  >  >>