فَيُكَفِّرُ بِحِنْثِهِ لَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَمَّا الْمَاضِي عَالِمًا بِخِلَافِهِ فَغَمُوسٌ.
وَاخْتُلِفَ فِي كُفْرِهِ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ الْحَالِفَ (لَمْ يَكْفُرْ) سَوَاءٌ (عَلَّقَهُ بِمَاضٍ أَوْ آتٍ) إنْ كَانَ عِنْدَهُ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ (يَمِينٌ وَإِنْ كَانَ) جَاهِلًا. وَ (عِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْحَلِفِ) بِالْغَمُوسِ وَبِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ (يَكْفُرُ فِيهِمَا) لِرِضَاهُ بِالْكُفْرِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ
ــ
[رد المحتار]
غَيْرُ ظَاهِرٍ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَيْمَانَ مَذْكُورَةٌ صَرِيحًا فِي فَرْعِ الْخَانِيَّةِ، بِخِلَافِهَا فِي فَرْعِنَا الْمَذْكُورِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ، فَإِنَّ لَفْظَ أَيْمَانٍ جَمْعُ يَمِينٍ وَمَعَ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُسْلِمِينَ زَادَتْ فِي الشُّمُولِ. فَيَنْبَغِي لُزُومُ أَنْوَاعِ الْأَيْمَانِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ لَا خُصُوصُ الطَّلَاقِ وَلَا خُصُوصُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ فَيُكَفِّرُ بِحِنْثِهِ) أَيْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ إلْحَاقًا لَهُ بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الشَّرْطَ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ وَقَدْ اعْتَقَدَهُ وَاجِبَ الِامْتِنَاعِ وَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ لِغَيْرِهِ جَعَلْنَاهُ يَمِينًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَمَّا الْمَاضِي) كَإِنْ كُنْت فَعَلَتْ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ أَوْ يَهُودِيٌّ وَمِثْلُهَا الْحَالُ (قَوْلُهُ عَالِمًا بِخِلَافِهِ) أَمَّا إذَا كَانَ ظَانًّا صِحَّتَهُ فَلَغْوٌ ح (قَوْلُهُ فَغَمُوسٌ) لَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا التَّوْبَةَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي كُفْرِهِ) أَيْ إذَا كَانَ كَاذِبًا (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ إلَخْ) وَقِيلَ لَا يَكْفُرُ؛ وَقِيلَ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ تَنْجِيزُ مَعْنًى لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاءً هُوَ كَافِرٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةِ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ» " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ مِمَّنْ يَحْلِفُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَيْمَانِ أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا لَا يَعْرِفُ إلَّا لُزُومَ الْكُفْرِ عَلَى تَقْدِيرِ الْحِنْثِ، فَإِنْ تَمَّ هَذَا وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ شَاهِدٌ لِمَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِكُفْرِهِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي اعْتِقَادِهِ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ عِنْدَهُ ح. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: وَتَكُونُ عِنْدَ بِمَعْنَى الْحُكْمِ، يُقَالُ: هَذَا عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا: أَيْ فِي حُكْمِي (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى قَوْلِهِ جَاهِلًا. وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ: وَإِنْ كَانَ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِهِ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْكُفْرِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ كُفْرُهُ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَكْفُرُ إذَا فَعَلَهُ اهـ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: وَكَفَرَ إنْ كَانَ جَاهِلًا اعْتَقَدَ أَنَّهُ كُفْرٌ إلَخْ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ عَطْفَ وَعِنْدَهُ بِالْوَاوِ هُوَ الصَّوَابُ، وَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ عَطْفِهِ بِأَوْ خَطَأٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَاهِلِ هُوَ الَّذِي لَا يَعْتَمِدُ شَيْئًا، وَلَا وَجْهَ لِتَكْفِيرِهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَكْفُرُ إذَا اعْتَقَدَهُ كُفْرًا لِيَكُونَ رَاضِيًا بِالْكُفْرِ، أَمَّا الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ كَذَلِكَ لَمْ يَرْضَ بِالْكُفْرِ حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ يَكْفُرُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ يَكْفُرُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْغَمُوسِ وَالْمُنْعَقِدَةِ. أَمَّا فِي الْغَمُوسِ فَفِي الْحَالِ، وَأَمَّا فِي الْمُنْعَقِدَةِ فَعِنْدَ مُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَحُرُوفُهُ ح.
وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَنْ نَوَى الْكُفْرَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَفَرَ فِي الْحَالِ.
وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ. لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ مَنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا كَافِرٌ مُرَادُهُ الِامْتِنَاعُ بِالتَّعْلِيقِ وَمِنْ عَزْمِهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فَلَيْسَ فِيهِ رِضًا بِالْكُفْرِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاشَرَ الْفِعْلَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ يَكْفُرُ بِمُبَاشَرَتِهِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَقْتَ مُبَاشَرَتِهِ لِرِضَاهُ بِالْكُفْرِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ بِمَا لَهُ خَطَرُ الْوُجُودِ فَلَا يَكْفُرُ بِهِ فِي الْحَالِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ إذَا جَاءَ يَوْمُ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمُحَقَّقِ الْوُجُودِ، فَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَا لَهُ خَطَرٌ يَكْفُرُ أَيْضًا كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ كَذَا غَدًا فَأَنَا أَكْفُرُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ مِنْ سَاعَتِهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِأَنَّهُ رَضِيَ فِي الْحَالِ بِكُفْرِهِ الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى تَقْدِيرِ حُصُولِ كَذَا فَافْهَمْ. وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْحَالِفُ وَقْتَ الْحَلِفِ نَاوِيًا عَلَى الْفِعْلِ وَقَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَازِمًا فِي الْحَالِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي يُعْتَقَدُ كُفْرُهُ بِهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْكَافِرِ) أَيْ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا مُسْلِمٌ. قَالَ ح: فِي بَعْضِ النُّسَخِ: بِخِلَافِ الْكُفْرِ. وَعَلَيْهَا فَضَمِيرُ يَصِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْكَافِرِ الَّذِي اسْتَلْزَمَهُ الْكُفْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute