(وَإِنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ غَضَبُهُ أَوْ سَخَطُهُ أَوْ لَعْنَةُ اللَّهِ أَوْ هُوَ زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا لَا) يَكُونُ قَسَمًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ، فَلَوْ تُعُورِفَ هَلْ يَكُونُ يَمِينًا؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَمَالِ لَا، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. وَفِي الْبَحْرِ: مَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ كَدَمٍ وَخِنْزِيرٍ (إلَّا إذَا أَرَادَ) الْحَالِفُ (بِقَوْلِهِ حَقًّا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَمِينٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ.
(و) مِنْ (حُرُوفِهِ الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالتَّاءُ)
ــ
[رد المحتار]
عَلَى الْمُعْتَمَدِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ غَضَبُهُ إلَخْ) أَيْ لَا يَكُونُ يَمِينًا أَيْضًا لِأَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ الْمَدْعُوِّ بَلْ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ هُوَ زَانٍ إلَخْ) لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى حُرْمَةِ الِاسْمِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ هِدَايَةٌ: أَيْ أَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ لِلضَّرُورَةِ أَوْ نَحْوِهَا (قَوْلُهُ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْجَمِيعِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْعُرْفَ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَلِفِ بِالصِّفَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَوْ تُعُورِفَ إلَخْ) أَيْ فِي هُوَ زَانٍ وَمَا بَعْدَهُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ النَّهْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ فَعَلَيْهِ غَضَبُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى التَّعْلِيلِ بِالتَّعَارُفِ، بَلْ عَلَّلُوا بِمَا يَقْتَضِي عَدَمَ كَوْنِهِ يَمِينًا مُطْلَقًا وَهُوَ كَوْنُ عَلَيْهِ غَضَبُهُ وَنَحْوُهُ دُعَاءً عَلَى نَفْسِهِ، وَكَوْنُ هُوَ زَانٍ يَحْتَمِلُ النَّسْخَ ثُمَّ عَلَّلُوا بِعَدَمِ التَّعَارُفِ لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّعَارُفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ الْحَلِفُ بِهِ فِي غَيْرِ الِاسْمِ فَكَيْفَ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَمَالِ لَا) حَيْثُ قَالَ: إنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ أَنْ يُعَلِّقَ الْحَالِفُ مَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ مِنْ الْفِعْلِ بِسَبَبِ لُزُومِ وُجُودِهِ: أَيْ وُجُودِ مَا عَلَّقَهُ كَالْكُفْرِ عِنْدَ وُجُودِ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَدُخُولِ الدَّارِ، وَهُنَا لَا يَصِيرُ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا حَتَّى يُوجِبَ امْتِنَاعَهُ عَنْ الدُّخُولِ، بِخِلَافِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ بِمُبَاشَرَةِ الدُّخُولِ يَتَحَقَّقُ الرِّضَا بِالْكُفْرِ فَيُوجِبُ الْكُفْرَ اهـ مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكُفْرَ عِنْدَ الْجَهْلِ وَالْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْعِلْمِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَصْلُحُ أَيْضًا لِنَحْوِ عَلَيْهِ غَضَبُهُ لِأَنَّهُ لَا تَتَحَقَّقُ اسْتِجَابَةُ دُعَائِهِ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فَلَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَإِنْ تُعُورِفَ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ مَنْقُولٍ بَلْ فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِ الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ هُوَ يَسْتَحِلُّ الدَّمَ أَوْ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ إنْ فَعَلَ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ اسْتِحْلَالَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ كُفْرًا لَا مَحَالَةَ فَإِنَّهُ حَالَةُ الضَّرُورَةِ يَصِيرُ حَلَالًا اهـ.
وَاعْتَرَضَهُ الْمُحَشِّيُّ بِأَنَّهُ وَهْمٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَلْوَالِجيَّةِ لَا مَحَالَةَ قَيْدٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَكُونُ لَا لِلنَّفْيِ وَهُوَ لَا يَكُونُ، فَالْمَعْنَى أَنَّ كَوْنَ اسْتِحْلَالِهِ كُفْرًا عَلَى الدَّوَامِ مَنْفِيٌّ بَلْ قَدْ لَا يَكُونُ كُفْرًا، يُوَضِّحُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِلشَّكِّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ اسْتِحْلَالُهُ كُفْرًا كَمَا فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَيَكُونُ يَمِينًا، وَقَدْ لَا يَكُونُ كُفْرًا كَمَا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، فَقَدْ حَصَلَ الشَّكُّ فِي كَوْنِهِ يَمِينًا أَوْ لَا بِخِلَافِ هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ مَنْ يُنْكِرُ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ كُفْرٌ دَائِمًا، فَكُلُّ مَا حَرُمَ مُؤَبَّدًا فَاسْتِحْلَالُهُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا اهـ مُلَخَّصًا.
مَطْلَبُ حُرُوفِ الْقَسَمِ
(قَوْلُهُ وَمِنْ حُرُوفِهِ) أَفَادَ أَنَّ لَهُ حُرُوفًا أُخَرَ نَحْوُ مِنْ اللَّهِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الرَّضِيِّ ح.
قُلْت: وَفِي الدَّمَامِينِيِّ عَنْ التَّسْهِيلِ: وَمِنْ مُثَلَّثِ الْحَرْفَيْنِ مَعَ تَوَافُقِ الْحَرَكَتَيْنِ اهـ فَافْهَمْ، وَالْمُرَادُ بِالْحُرُوفِ الْأَدَوَاتُ لِأَنَّ مِنْ اللَّهِ وَكَذَا الْمِيمُ اسْمٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ أَيْمُنِ كَمَا مَرَّ، وَالضَّمِيرُ فِي حُرُوفِهِ رَاجِعٌ إلَى الْقَسَمِ أَوْ الْحَلِفِ أَوْ إلَى الْيَمِينِ بِتَأْوِيلِ الْقَسَمِ وَإِلَّا فَالْيُمْنَى مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعًا (قَوْلُهُ الْوَاوُ وَالْبَاءُ وَالتَّاءُ) قَدَّمَ الْوَاوَ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فِي الْقَسَمِ وَلِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute