للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ) أَيْ فَرْضٌ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالدُّرَرِ (وَهُوَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ) خَرَجَ الْوُضُوءُ وَتَكْفِينُ الْمَيِّتِ (وَوُجِدَ الشَّرْطُ) الْمُعَلَّقُ بِهِ (لَزِمَ النَّاذِرَ) لِحَدِيثِ «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى» (كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَصَدَقَةٍ) وَوَقْفٍ (وَاعْتِكَافٍ) وَإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ وَحَجٍّ وَلَوْ مَاشِيًا فَإِنَّهَا عِبَادَاتٌ مَقْصُودَةٌ، وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ لِوُجُوبِ الْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْمَشْيِ لِلْحَجِّ عَلَى الْقَادِرِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ النَّذْرِ

(قَوْلُهُ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا) أَيْ غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ مِثْلِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ فَتْحٌ، وَأَفَادَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ كَلَامًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ النَّذْرُ لِأَنَّ هَزْلَ النَّذْرِ كَالْجِدِّ كَالطَّلَاقِ كَمَا فِي صِيَامِ الْفَتْحِ، وَكَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ صَوْمُ شَهْرٍ كَمَا فِي صِيَامِ الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ النَّذْرَ قُرْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ، أَمَّا كَوْنُهُ قُرْبَةً فَلِمَا يُلَازِمُهُ مِنْ الْقُرَبِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِهَا وَأَمَّا شَرْعِيَّتُهُ فَلِلْأَوَامِرِ الْوَارِدَةِ بِإِيفَائِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الِاخْتِيَارِ.

قُلْت: وَإِنَّمَا ذَكَرُوا النَّذْرَ فِي الْأَيْمَانِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَمَرَّ فِي آخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمًا، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى النَّذْرَ فَقَطْ أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَأَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا كَانَ نَذْرًا فَقَطْ وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا كَانَ يَمِينًا وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إنْ أَفْطَرَ، وَإِنْ نَوَاهُمَا أَوْ نَوَى الْيَمِينَ كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا " حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ قَضَى وَكَفَّرَ وَمَرَّ هُنَاكَ الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ) أَيْ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ط (قَوْلُهُ وَهُوَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلنَّذْرِ، بِمَعْنَى الْمَنْذُورِ لَا لِلْوَاجِبِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: مِمَّا هُوَ طَاعَةٌ مَقْصُودَةٌ لِنَفْسِهَا، وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ إلَخْ.

وَفِي الْبَدَائِعِ: وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ، وَالْوُضُوءِ، وَالِاغْتِسَالِ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَالْأَذَانِ، وَبِنَاءِ الرِّبَاطَاتِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ قُرَبًا إلَّا أَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُ الْمَنْذُورِ نَفْسِهِ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، وَلِذَا صَحَّحُوا النَّذْرَ بِالْوَقْفِ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا وَهُوَ بِنَاءُ مَسْجِدٍ لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا يَأْتِي مَعَ أَنَّك عَلِمْت أَنَّ بِنَاءَ الْمَسَاجِدِ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ (قَوْلُهُ خَرَجَ الْوُضُوءُ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ وَهِيَ الصَّلَاةُ ط عَنْ الْمِنَحِ.

(قَوْلُهُ وَتَكْفِينُ الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً، بَلْ هُوَ لِأَجْلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ سِتْرَهُ شَرْطُ صِحَّتِهَا ط (قَوْلُهُ وَوُجِدَ الشَّرْطُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ عِبَادَةٌ وَهَذَا إنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَإِلَّا لَزِمَ فِي الْحَالِ وَالْمُرَادُ الشَّرْطُ الَّذِي يُرِيدُ كَوْنَهُ كَمَا يَأْتِي تَصْحِيحُهُ (قَوْلُهُ لَزِمَ النَّاذِرُ) أَيْ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِأَصْلِ الْقُرْبَةِ الَّتِي الْتَزَمَهَا لَا بِكُلِّ وَصْفٍ الْتَزَمَهُ لِأَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ دِرْهَمًا أَوْ فَقِيرًا أَوْ مَكَانًا لِلتَّصَدُّقِ أَوْ لِلصَّلَاةِ فَالتَّعْيِينُ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَحْرٌ، وَتَحْقِيقُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، فَفِي لُزُومِ الْمَنْذُورِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، قَالَ تَعَالَى - {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: ٢٩]- وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِلْآيَةِ، وَتَقَدَّمَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهَا تُوجِبُ الِافْتِرَاضَ لِلْقَطْعِيَّةِ وَالْجَوَابُ بِأَنَّهَا مُؤَوَّلَةٌ إذْ خُصَّ مِنْهَا النَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ وَمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ فَلَمْ تَكُنْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ، وَمَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِافْتِرَاضِهِ اسْتَدَلَّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْإِيفَاءِ بِهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهُ: أَيْ الِافْتِرَاضَ هُوَ الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِ الْعِتْقِ) تَرَكَ ذِكْرَ الْوَاجِبِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ لِظُهُورِهِ ط (قَوْلُهُ وَالْمَشْيُ لِلْحَجِّ) الْمُرَادُ الْحَجُّ مَاشِيًا وَإِلَّا فَالْمَشْيُ لَيْسَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً. اهـ. ح. وَفِيهِ أَنَّ الْمَشْرُوطَ كَوْنُهُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً هُوَ الْمَنْذُورُ لَا مَا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>