وَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَهِيَ لُبْثٌ كَالِاعْتِكَافِ، وَوَقْفُ مَسْجِدٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ (وَلَمْ يَلْزَمْ) النَّاذِرَ (مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضٌ كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ وَدُخُولِ مَسْجِدٍ) وَلَوْ مَسْجِدَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ الْأَقْصَى لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا فَرْضٌ مَقْصُودٌ وَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَفِي الْبَحْرِ شَرَائِطُهُ خَمْسٌ فَزَادَ: أَنْ لَا يَكُونَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ فَصَحَّ نَذَرَ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ
ــ
[رد المحتار]
مِنْ جِنْسِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْكَعْبَةِ يَلْزَمُهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ وَسَنَذْكُرُ أَنَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي اعْتِكَافِ الْبَحْرِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّشْبِيهَ إنْ كَانَ فِي خُصُوصِ الْقَعْدَةِ فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الِاعْتِكَافِ لِجَوَازِ الْوُقُوفِ فِي مُدَّتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي مُطْلَقِ الْكَيْنُونَةِ فَلِمَ خَصَّ التَّشْبِيهَ بِالْقَعْدَةِ مَعَ أَنَّ الرُّكُوعَ كَذَلِكَ؟
وَالْجَوَابُ: اخْتِيَارُ الْأَوَّلِ، وَالْغَالِبُ فِي الِاعْتِكَافِ الْقُعُودُ وَذُكِرَ فِي اعْتِكَافِ الْمِعْرَاجِ. قُلْنَا بَلْ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ اللَّبْثُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ الْوُقُوفُ، وَالنَّذْرُ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ، أَوْ مُشْتَمِلًا عَلَى الْوَاجِبِ وَهَذَا كَذَلِكَ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ يَشْتَمِلُ عَلَى الصَّوْمِ وَمِنْ جِنْسِ الصَّوْمِ وَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ اللَّبْثِ وَاجِبٌ وَتَعَقَّبَهُ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْحَجِّ وَالصَّوْمِ بِأَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ فَرْعُ وُجُوبِ الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي صِحَّةِ وُجُوبِ الْمَتْبُوعِ. فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَى لُزُومِهِ بِلُزُومِهِ وَلُزُومُ الشَّرْطِ فَرْعُ لُزُومِ الْمَشْرُوطِ. ثُمَّ قَدْ يُقَالُ: تَحَقُّقُ الْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِ الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ مُوجِبٌ إهْدَارَ اشْتِرَاطِ وُجُودِ وَاجِبٍ مِنْ جِنْسِهِ اهـ أَيْ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْأَصْلِ.
(قَوْلُهُ وَوَقْفُ مَسْجِدٍ) أَيْ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ عَلَى الظَّاهِرِ ط (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْإِمَامُ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضٌ) هَذَا هُوَ الَّذِي وَعَدَ بِذِكْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ وَهَذَا يُثْبِتُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبُ الْفَرْضِ وَبِهِ صَرَّحَ شَيْخُنَا فِي بَحْرِهِ إلَخْ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ إلَخْ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْفَرْضِ هُنَا فَرْضُ الْعَيْنِ دُونَ مَا يَشْمَلُ فَرْضَ الْكِفَايَةِ. اهـ. ح أَيْ فَإِنَّ هَذِهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا فِي مُقَدِّمَةِ أَبِي اللَّيْثِ فَافْهَمْ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ خُرُوجَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ بِقَوْلِهِ: عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِلطَّوَافِ، وَلِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِيهِ فَإِنَّ الدُّخُولَ حِينَئِذٍ فَرْضٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ وَكَذَا عِيَادَةُ الْوَالِدَيْنِ إذَا احْتَاجَا إلَيْهِ لِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضٌ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمَشْرُوطَ كَوْنُهُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً هُوَ الْمَنْذُورُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَسْجِدَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) الْأَوْلَى ذِكْرُ مَسْجِدِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ الْمُتَوَهَّمُ ط (قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ) الْإِشَارَةُ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضٌ لَا يَلْزَمُ. وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ: الْمَنْذُورُ إذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ لَزِمَ النَّاذِرَ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ وَالِاعْتِكَافِ؛ وَمَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْفُرُوضِ فَلَا يَلْزَمُ النَّاذِرَ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَبِنَاءِ الْقَنْطَرَةِ وَالرِّبَاطِ وَالسِّقَايَةِ وَنَحْوِهَا هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْكُلِّيُّ (قَوْلُهُ فَزَادَ) أَيْ عَلَى الشَّرْطَيْنِ الْمَارَّيْنِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا كَوْنُ الْمَنْذُورِ مَعْصِيَةً يَمْنَعُ انْعِقَادَ النَّذْرِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذًا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ أَوْ لَيْسَ فِيهِ جِهَةُ قُرْبَةٍ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ نَذْرَ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ يَنْعَقِدُ، وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِصَوْمِ يَوْمٍ غَيْرِهِ وَلَوْ صَامَهُ خَرَجَ مِنْ الْعُهْدَةِ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: إذَا أَضَافَ النَّذْرَ إلَى الْمَعَاصِي كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ فُلَانًا كَانَ يَمِينًا وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ اهـ.
قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُهُ عِبَادَةً فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْصِيَةً لَمْ يَصِحَّ فَهَذَا لَيْسَ شَرْطًا خَارِجًا عَمَّا مَرَّ، لَكِنْ صَرَّحَ بِهِ مُسْتَقِلًّا لِبَيَانِ أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ جِهَةُ الْعِبَادَةِ يَصِحُّ النَّذْرُ بِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قُرْبَةٌ لَا بِكُلِّ وَصْفٍ الْتَزَمَهُ بِهِ فَصَحَّ الْتِزَامُ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَوْمٌ مَعَ إلْغَاءِ كَوْنِهِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute