للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فِعْلُهُ فَوْرًا) لِأَنَّ قَصْدَهُ الْمَنْعُ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ عُرْفًا وَمَدَارُ الْأَيْمَانِ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينَ الْفَوْرِ تَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِإِظْهَارِهَا وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ.

(وَ) كَذَا (فِي) حَلِفِهِ (إنْ تَغَدَّيْت) فَكَذَا (بَعْدَ قَوْلِ الطَّالِبِ) تَعَالَ (تَغَدَّ مَعِي) شُرِطَ لِلْحِنْثِ (تَغَدِّيهِ مَعَهُ) ذَلِكَ الطَّعَامَ الْمَدْعُوَّ إلَيْهِ (وَإِنْ ضَمَّ) إلَى إنْ تَغَدَّيْت (الْيَوْمَ أَوْ مَعَك)

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِي يَمِينِ الْفَوْرِ

(قَوْلُهُ فَوْرًا) سُئِلَ السُّغْدِيُّ بِمَاذَا يُقَدَّرُ الْفَوْرُ؟ قَالَ بِسَاعَةٍ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ فَقَالَ الزَّوْجُ إنْ خَرَجْت فَعَادَتْ وَجَلَسَتْ وَخَرَجَتْ بَعْدَ سَاعَةٍ لَا يَحْنَثُ حَمَوِيٌّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِعَدَمِ حِنْثِهِ إذَا خَرَجَتْ بَعْدَ سَاعَةٍ تَغَيُّرُ تِلْكَ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ مَعَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ، يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ الْفَتْحِ تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ، فَحَلَفَ لَا تَخْرُجُ فَإِذَا جَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ قَصْدَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْت السَّاعَةَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا عَمِلَ بِهِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ.

قُلْت: وَهُوَ مُفَادُ عِبَارَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ إنْ لَمْ تَقُومِي السَّاعَةَ وَتَجِيئِي إلَى الدَّارِ فَأَنْتِ كَذَا فَقَامَتْ السَّاعَةَ وَلَبِسَتْ الثِّيَابَ وَخَرَجَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ وَجَلَسَتْ حَتَّى خَرَجَ الزَّوْجُ فَخَرَجَتْ وَأَتَتْ الدَّارَ بَعْدَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ رُجُوعَهَا وَجُلُوسَهَا مَا دَامَتْ فِي تَهَيُّؤِ الْخُرُوجِ لَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْفَوْرِ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا الْبَوْلُ فَبَالَتْ قَبْلَ لُبْسِ الثِّيَابِ اهـ مُلَخَّصًا إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ فَإِنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ عَدَمُ الْخُرُوجِ وَهُوَ تَرْكٌ فَيَتَحَقَّقُ بِتَحَقُّقِ ضِدِّهِ وَهُوَ الْجُلُوسُ عَلَى وَجْهِ الْإِعْرَاضِ فَإِنَّهَا إنَّمَا جَلَسَتْ لِلْإِعْرَاضِ عَنْ الْخُرْجَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا فَيَتَحَقَّقُ عَدَمُ الْخُرُوجِ سَوَاءٌ تَغَيَّرَتْ الْهَيْئَةُ أَوْ لَا وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي الثَّانِي الْمَجِيءُ الْمُثْبَتُ، وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِفِعْلِهِ وَالْفَاعِلُ إذَا تَهَيَّأَ لِلْفِعْلِ وَجَلَسَ مُنْتَظِرًا لَهُ عَازِمًا عَلَيْهِ لَا يَكُونُ مُعْرِضًا عَنْهُ بَلْ هُوَ فَاعِلٌ حُكْمًا لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ تِلْكَ الْهَيْئَةِ هُنَا لِيُعْلَمَ بِهَا أَنَّ الْجُلُوسَ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْإِعْرَاضِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ ضِدُّ الْفِعْلِ الْمُرَادِ ظَاهِرًا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينَ الْفَوْرِ إلَخْ) مِنْ فَارَتْ الْقِدْرُ غَلَتْ اُسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ أَوْ مِنْ فَوَرَانِ الْغَضَبِ انْفَرَدَ الْإِمَامُ بِإِظْهَارِهَا، وَكَانَتْ الْيَمِينُ أَوَّلًا قِسْمَيْنِ: مُؤَبَّدَةً أَيْ مُطْلَقَةً وَمُؤَقَّتَةً، وَهَذِهِ مُؤَبَّدَةٌ لَفْظًا مُؤَقَّتَةٌ مَعْنًى تَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ، إمَّا بِأَنْ تَكُونَ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ حَالِيٍّ كَمَا مُثِّلَ أَوْ أَنْ تَقَعَ جَوَابًا بِالْكَلَامِ يَتَعَلَّقُ بِالْحَالِ كَمَا فِي إنْ تَغَدَّيْت أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَكِنْ نَقَلَ فِي الْفَتْحِ عَنْ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ الْحِنْثَ بِهَا اعْتِبَارًا لِلْإِطْلَاقِ اللَّفْظِيِّ.

(قَوْلُهُ تَغَدِّيهِ مَعَهُ) نَائِبُ فَاعِلِ شُرِطَ فَلَوْ خَرَجَ إلَى مَنْزِلِهِ فَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ جَوَابَهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ فَيَنْطَبِقُ عَلَى السُّؤَالِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ ذَلِكَ الطَّعَامَ الْمَدْعُوَّ إلَيْهِ) كَذَا فِي الْإِيضَاحِ لِابْنِ كَمَالٍ مَعْزِيًّا إلَى الْهِدَايَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْهِدَايَةِ هُوَ مَا سَمِعْته، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْفِعْلَ أَيْ التَّغَدِّيَ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الطَّعَامَ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الْغَدَاءِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَأَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْغَدَاءِ إلَخْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ إلَى أَكْلِ الْغَدَاءِ أَوْ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْغَدَاءَ عَلَى التَّغَدِّي تَسَاهُلًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْبَابِ الْآتِي الْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ قَالَ فِي الْفَتْحِ هُنَاكَ وَهَذَا تَسَاهُلٌ مَعْرُوفُ الْمَعْنَى فَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ اهـ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا فَهِمَهُ ابْنُ كَمَالٍ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ ذَلِكَ الطَّعَامَ فِي بَيْتِهِ وَحْدَهُ يَحْنَثُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ هُوَ التَّغَدِّي مَعَ الطَّالِبِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَدْعُوُّ إلَيْهِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الطَّالِبِ وَلَا فِي كَلَامِ الْحَالِفِ تَعْيِينُ طَعَامٍ، بَلْ لَوْ دَعَاهُ إلَى الْغَدَاءِ مَعَهُ قَبْلَ حُضُورِ طَعَامٍ أَصْلًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّ الْجَوَابَ يَنْطَبِقُ عَلَى السُّؤَالِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ الطَّالِبُ تَغَدَّ مَعِي هَذَا الطَّعَامَ تَقَيَّدَ بِهِ أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا الْفَهْمَ الَّذِي فَهِمَهُ ابْنُ كَمَالٍ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَهُ إلَيْهِ وَإِنْ عَوَّلَ الشَّارِحُ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْيَوْمَ أَوْ مَعَك) مَفْعُولُ ضَمَّ أَيْ بِأَنْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت الْيَوْمَ أَوْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْت مَعَك حَنِثَ

<<  <  ج: ص:  >  >>