وَفِي لَا يَأْكُلُ عِنَبًا مَثَلًا لَا يَحْنَثُ بِمَصِّهِ لِأَنَّ الْمَصَّ نَوْعٌ ثَالِثٌ، وَلَوْ عَصَرَهُ وَأَكَلَ قِشْرَهُ حَنِثَ بَدَائِعُ لَكِنْ فِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سُكَّرًا لَا يَحْنَثُ بِمَصِّهِ وَفِي عُرْفِنَا يَحْنَثُ، وَأَمَّا الذَّوْقُ فَعَمَلُ الْفَمِ لِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ الطَّعْمِ وَصَلَ إلَى
ــ
[رد المحتار]
إذَا كَانَتْ مَسْلُوقَةً (قَوْلُهُ وَفِي لَا يَأْكُلُ عِنَبًا إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ عِنَبًا أَوْ رُمَّانًا فَجَعَلَ يَمْتَصُّهُ وَيَرْمِي تُفْلَهُ وَيَبْتَلِعُ الْمُتَحَصِّلَ بِالْمَصِّ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ أَكْلًا وَلَا شُرْبًا بَلْ مَصٌّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ.
قُلْت: لَكِنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الشُّرْبِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ إيصَالُ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْمَضْغَ مِنْ الْمَائِعَاتِ إلَى الْجَوْفِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَائِعَ وَقْتَ إدْخَالِهِ الْفَمَ، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالْمَصِّ اسْتِخْرَاجُ مَائِيَّةِ الْجَامِدِ بِالْفَمِ وَإِيصَالُهَا إلَى الْجَوْفِ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَمُصُّ شَيْئًا لَا يَحْنَثُ بِشُرْبِ الْمَائِعِ مَعَ أَنَّ السُّنَّةَ فِي شُرْبِ الْمَاءِ الْمَصُّ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَصَّ أَعَمُّ مِنْ الشُّرْبِ مِنْ وَجْهٍ، فَيَجْتَمِعَانِ فِيمَا إذَا أَخَذَ الْمَاءَ بِفِيهِ مَعَ ضِيقِ الشَّفَتَيْنِ، وَيَنْفَرِدُ الشُّرْبُ بِالْعَبِّ وَالْمَصِّ بِاسْتِجْلَابِ مَائِيَّةِ الْجَامِدِ بِالْفَمِ، حَتَّى لَوْ عَصَرَ الْفَاكِهَةَ وَشَرِبَ مَاءَهَا عَبًّا يَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ لَا يَشْرَبُ لَا فِي حَلِفِهِ لَا يَمُصُّ، وَلَوْ شَرِبَهُ مَصًّا حَنِثَ فِيهِمَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَصَّ نَوْعٌ ثَالِثٌ) أَيْ فِي بَعْضِ الْأَوْجُهِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ شُرْبًا كَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ وَأَكَلَ قِشْرَهُ) أَيْ وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءَهُ لِأَنَّ ذَهَابَ الْمَاءِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَكْلًا لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا مَضَغَهُ وَابْتَلَعَ الْمَاءَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ آكِلًا لَهُ بِابْتِلَاعِ الْمَاءِ فَدَلَّ أَنَّ أَكْلَ الْعِنَبِ هُوَ أَكْلُ الْقِشْرِ وَالْحِصْرِمِ مِنْهُ وَقَدْ وُجِدَ فَيَحْنَثُ بَحْرٌ عَنْ الْبَدَائِعِ وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّهُ إذَا ابْتَلَعَ مَاءَهُ فَقَطْ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ ابْتَلَعَ الْحَبَّ أَيْضًا دُونَ الْقِشْرِ يَحْنَثُ وَعَلَّلَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ بِأَنَّ الْعِنَبَ اسْمٌ لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَفِي الْأَوَّلِ أَكَلَ الْأَقَلَّ وَفِي الثَّانِي الْأَكْثَرَ وَلَهُ حُكْمُ الْكُلِّ (قَوْلُهُ لَا يَحْنَثُ بِمَصِّهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْلٍ فَقَدْ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي عُرْفِنَا يَحْنَثُ) مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْقَلَانِسِيِّ وَهُوَ مَحَطُّ الِاسْتِدْرَاكِ. اهـ. ح أَيْ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ بِالْمَضْغِ وَبِالْمَصِّ عَادَةً، وَكَذَا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الذَّوْقُ فَعَمَلُ الْفَمِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْحَقُّ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ خِلَافًا لِمَا فِي النَّظْمِ مِنْ أَنَّهُ عَمَلُ الشِّفَاهِ دُونَ الْحَلْقِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِ الذَّوْقِ.
قُلْت: لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامٍ: حَلَفَ لَا يَذُوقُ فَيَمِينُهُ عَلَى الذَّوْقِ حَقِيقَةً، وَهُوَ أَنْ لَا يُوصَلَ إلَى جَوْفِهِ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهُ كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ نَحْوُ أَنْ يُقَالَ تَغَدَّ مَعِي فَحَلَفَ لَا يَذُوقُ مَعَهُ طَعَامًا فَهَذَا عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ. اهـ.
مَطْلَبُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالذَّوْقِ
(قَوْلُهُ فَكُلُّ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ذَوْقٌ وَلَا عَكْسَ) أَيْ وَلَيْسَ كُلُّ ذَوْقٍ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الذَّوْقَ أَعَمُّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوُصُولُ إلَى الْجَوْفِ بَلْ يَصْدُقُ بِدُونِهِ بِخِلَافِهِمَا، فَإِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ يَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ لَا يَذُوقُ وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ أَوْ لَا يَشْرَبُ فَذَاقَ بِلَا إيصَالٍ إلَى الْجَوْفِ لَمْ يَحْنَثْ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ الْأَكْلُ بِلَا ذَوْقٍ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ مَا يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ طَعْمِهِ عَلَى الْمَضْغِ كَبَيْضَةٍ أَوْ لَوْزَةٍ وَعَلَيْهِ فَبَيْنَ الْأَكْلِ وَالذَّوْقِ عُمُومٌ وَجْهِيٌّ وَعَنْ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute