للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَحْنَثْ بِالْخَارِجِ (وَفِي هَذَا الدَّقِيقِ حَنِثَ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَالْخُبْزِ وَنَحْوِهِ) كَعَصِيدَةٍ وَحَلْوَى (لَا بِسَفِّهِ) فِي الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ فِي أَكْلِ عَيْنِ النَّخْلَةِ (وَالْخُبْزُ مَا اعْتَادَهُ أَهْلُ بَلَدِ الْحَالِفِ) فَالشَّامِيُّ بِالْبُرِّ وَالْيَمَنِيُّ بِالذُّرَةِ وَالطَّبَرِيُّ بِخَبْزِ الْأُرْزِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْقُرَى بِالشَّعِيرِ، فَلَوْ دَخَلَ بَلَدَ الْبُرِّ وَاسْتَمَرَّ لَا يَأْكُلُ إلَّا الشَّعِيرَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالشَّعِيرِ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْخَاصَّ مُعْتَبَرٌ فَتْحٌ.

(حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ خُبْزِ فُلَانَةَ فَانْصَرَفَ إلَى) الْخَابِزَةِ (الَّتِي تَضْرِبُهُ فِي التَّنُّورِ لَا لِمَنْ عَجَنَتْهُ وَهَيَّأَتْهُ لِلضَّرْبِ)

ــ

[رد المحتار]

غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي تَوْجِيهِهِ لَكِنْ مَا ذَكَرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ لَفْظُ حِنْطَةٍ، أَمَّا لَوْ نَظَرْنَا إلَى لَفْظِ أَكَلْت الْحِنْطَةَ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ إذْ قَوْلُك أَكَلْت حِنْطَةً مِثْلُهُ فِي أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ أَوْ مَجَازُهُ الْمُسْتَعْمَلُ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ رَدِّهِ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَكَذَا يُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي لَا أَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ، وَفِي لَا آكُلُ لَحْمًا حَيْثُ اُعْتُبِرَ لَفْظُ أَرْكَبُ وَآكُلُ فَصُرِفَ إلَى الْمَعْهُودِ وَقَيَّدَ بِهِ لَفْظَ دَابَّةٍ وَلَفْظَ لَحْمًا بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ مُعَرَّفِهِ وَمُنَكَّرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ بِالْخَارِجِ) أَيْ اتِّفَاقًا نَهْرٌ وَهَذَا إذَا لَمْ يَقُلْ حِنْطَةً بِالتَّنْكِيرِ (قَوْلُهُ بِمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ) فِي النَّوَازِلِ لَوْ اتَّخَذَ مِنْهُ خَبِيصًا أَخَافُ أَنْ يَحْنَثَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي حِنْثِهِ إذَا أَكَلَ مِنْهُ مَا يُسَمَّى فِي دِيَارِنَا بِالْكُسْكُسِيِّ نَهْرٌ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي الشَّامِ بِالْمَغْرِبِيَّةِ مِثْلُهُ الشَّعِيرِيَّةُ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ إنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ قُلْنَا نَعَمْ، وَلَكِنْ حَقِيقَةٌ مَهْجُورَةٌ وَلَمَّا تَعَيَّنَ الْمَجَازُ سَقَطَتْ الْحَقِيقَةُ كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ، فَزَنَى بِهَا لَا يَحْنَثُ لِانْصِرَافِ يَمِينِهِ إلَى الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْوَطْءَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي أَكْلِ عَيْنِ النَّخْلَةِ) إلَّا أَنَّهُ لَوْ نَوَى أَكْلَ عَيْنِ الدَّقِيقِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ خُبْزِهِ لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ بَحْرٌ أَيْ بِخِلَافِ النَّخْلَةِ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ فَالشَّامِيُّ بِالْبُرِّ إلَخْ) هَذَا حَيْثُ لَا مَجَاعَةَ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُسَمَّى خُبْزًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ وَالطَّبَرِيُّ) نِسْبَةٌ إلَى طَبَرِسْتَانَ وَهِيَ اسْمُ آمُلَ وَأَعْمَالِهَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا يُحَارِبُونَ بِالْفَأْسِ وَمَعْنَاهَا بِالْفَارِسِيَّةِ: أَخَذَ الْفَأْسَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَالْمُرَادُ بِالْفَأْسِ الطَّبْرُ وَهُوَ مُعَرَّبُ تِبْرٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ.

مَطْلَبُ وَلَا يَأْكُلُ خُبْزًا

(قَوْلُهُ فَلَوْ دَخَلَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: وَقَدْ سُئِلْتُ لَوْ أَنَّ بَدْوِيًّا اعْتَادَ أَكْلَ خُبْزِ الشَّعِيرِ فَدَخَلَ بَلَدَهُ الْمُعْتَادَ فِيهَا أَكْلُ خُبْزِ الْحِنْطَةِ وَاسْتَمَرَّ هُوَ لَا يَأْكُلُ إلَّا الشَّعِيرَ، فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَقُلْت يَنْعَقِدُ عَلَى عُرْفِ نَفْسِهِ فَيَحْنَثُ بِالشَّعِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى عُرْفِ النَّاسِ إلَّا إذَا كَانَ الْحَالِفُ يَتَعَاطَاهُ فَهُوَ مُتَّهَمٌ فِيهِ فَيُصْرَفُ كَلَامُهُ إلَيْهِ لِذَلِكَ وَهَذَا مُنْتَفٍ فِيمَنْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ بَلْ هُوَ مُجَانِبٌ لَهُمْ اهـ فَقَوْلُ الشَّارِحِ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْخَاصَّ مُعْتَبَرٌ لَيْسَ لَفْظُهُ مَوْجُودًا فِي الْفَتْحِ بَلْ مَعْنَاهُ فُهِمَ مِنْهُ فَافْهَمْ.

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مِنَحِهِ قُلْت: وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ، وَلَكِنْ أَفْتَى كَثِيرٌ بِاعْتِبَارِهِ مَحَلَّهُ فِيمَا عَدَا الْأَيْمَانَ أَمَّا هِيَ فَالْعُرْفُ الْخَاصُّ مُعْتَبَرٌ فِيهَا يُعْرَفُ ذَلِكَ مَنْ تَتَبُّعِ كَلَامِهِمْ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ.

(قَوْلُهُ انْصَرَفَ إلَى الْخَابِزَةِ إلَخْ) الْأَوْضَحُ أَنْ يُقَالَ انْصَرَفَ إلَى مَا تَضْرِبُهُ فِي التَّنُّورِ لَا مَا تَعْجِنُهُ وَتُهَيِّئُهُ لِلضَّرْبِ.

فَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ خُبْزِ هِنْدٍ فَإِنْ كَانَتْ خَبَزَتْهُ فِي التَّنُّورِ حَنِثَ؛ وَإِنْ كَانَتْ عَجَنَتْهُ وَهَيَّأَتْهُ أَيْ قَطَّعَتْهُ أَقْرَاصًا لِلْخُبْزِ وَخَبَزَهُ غَيْرُهَا لَا يَحْنَثُ وَإِلَّا فَبَعْدَ التَّصْرِيحِ بِاسْمِهَا لَا يَدْخُلُ غَيْرُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِنْ خُبْزِ فُلَانَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ فُلَانَةَ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا يَتَنَاوَلُ الْخَابِزَةَ وَالْعَاجِنَةَ. هَذَا كُلُّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ بِالْإِضَافَةِ إضَافَةَ الصَّنْعَةِ أَمَّا لَوْ أَرَادَ إضَافَةَ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالْخُبْزِ الْمَمْلُوكِ لَهَا وَلَوْ كَانَ الْعَاجِنُ وَالْخَابِزُ غَيْرَهَا كَمَا لَا يَخْفَى

<<  <  ج: ص:  >  >>