وَقَالُوا: النِّيَّةُ لِلْحَالِفِ لَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ وَكَذَا بِاَللَّهِ لَوْ مَظْلُومًا وَإِنْ ظَالِمًا فَلِلْمُسْتَحْلِفِ وَلَا تَعَلُّقَ لِلْقَضَاءِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ.
ــ
[رد المحتار]
الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْخُلَاصَةِ مَا حَاصِلُهُ: أَرَادَ السُّلْطَانُ اسْتِحْلَافَهُ بِأَنَّك مَا تَعْلَمُ غُرَمَاءَ فُلَانٍ وَأَقْرِبَاءَهُ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِلَا حَقٍّ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَحْلِفَ، وَالْحِيلَةُ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ الرَّجُلِ وَيَنْوِيَ غَيْرَهُ وَهَذَا صَحِيحٌ عِنْدَ الْخَصَّافِ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا يُفْتِي بِقَوْلِ الْخَصَّافِ، وَلَوْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي مَا لَهُ عَلَيْك كَذَا فَحَلَفَ وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ فِي كُمِّهِ إلَى غَيْرِ الْمُدَّعِي صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً. اهـ.
مَطْلَبٌ: النِّيَّةُ لِلْحَالِفِ لَوْ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ
(قَوْلُهُ وَقَالُوا النِّيَّةُ لِلْحَالِفِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ حَلَّفَ رَجُلًا فَحَلَفَ وَنَوَى غَيْرَ مَا يُرِيدُ الْمُسْتَحْلِفَ إنْ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِ يُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْحَالِفِ إذَا لَمْ يَنْوِ الْحَالِفُ خِلَافَ الظَّاهِرِ ظَالِمًا كَانَ الْحَالِفُ أَوْ مَظْلُومًا، وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ الْحَالِفُ مَظْلُومًا فَالنِّيَّةُ فِيهِ إلَيْهِ وَإِنْ ظَالِمًا يُرِيدُ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ اُعْتُبِرَ نِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ.
قُلْت: وَتَقَيُّدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَنْوِ خِلَافَ الظَّاهِرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاعْتِبَارِ نِيَّةِ الْحَالِفِ اعْتِبَارُهَا فِي الْقَضَاءِ، إذْ لَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ نِيَّةٍ دِيَانَةً وَبِهِ عُلِمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَذْهَبِ الْخَصَّافِ، فَإِنَّ عِنْدَهُ تُعْتَبَرُ نِيَّةٌ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا وَيُفْتَى بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا كَمَا عَلِمْت. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ ذَكَرَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ لَوْ مَظْلُومًا وَعَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ لَوْ ظَالِمًا، وَبِهِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا مِثَالَ الْأَوَّلِ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ بِيَدِهِ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ دَفَعَهُ لِي فُلَانٌ يَعْنِي بَائِعَهُ لِئَلَّا يُكْرَهَ عَلَى بَيْعِهِ لَا يَكُونُ يَمِينَ غَمُوسٍ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ، وَلَا مَعْنَى لِأَنَّ الْغَمُوسَ مَا يُقْتَطَعُ بِهَا حَقُّ مُسْلِمٍ، وَمِثَالُ الثَّانِي: لَوْ ادَّعَى شِرَاءَ شَيْءٍ فِي يَدِ آخَرَ بِكَذَا وَأَنْكَرَ فَحَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا وَجَبَ عَلَيْك تَسْلِيمُهُ إلَيَّ فَحَلَفَ وَنَوَى التَّسْلِيمَ إلَى الْمُدَّعِي بِالْهِبَةِ لَا بِالْبَيْعِ، فَهَذَا وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَهُوَ غَمُوسٌ مَعْنًى فَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَلَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَهُوَ ظَالِمٌ أَوَّلًا وَنَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ بِأَنْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ أَوْ الْعَتَاقَ عَنْ عَمَلِ كَذَا أَوْ نَوَى الْإِخْبَارَ فِيهِ كَاذِبًا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ لَفْظِهِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ ظَالِمًا أَثِمَ إثْمَ الْغَمُوسِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَا نَوَى صِدْقًا حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ هَذَا الْيَمِينَ غَمُوسٌ مَعْنًى لِأَنَّهُ قَطَعَ بِهَا حَقَّ مُسْلِمٍ اهـ مُلَخَّصًا وَقَوْلُهُ: وَنَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ دِيَانَةً يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ قَضَاءً، وَهَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْخَصَّافِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَظْلُومِ فَيَصْدُقُ قَضَاءً أَيْضًا وَبَيْنَ الظَّالِمِ فَلَا يَصْدُقُ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْحَلِفَ بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ تُعْتَبَرُ فِيهِ نِيَّةُ الْحَالِفِ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا إذَا لَمْ يَنْوِ خِلَافَ الظَّاهِرِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ، فَلَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً، بَلْ يَأْثَمُ لَوْ ظَالِمًا إثْمَ الْغَمُوسِ، وَلَوْ نَوَى خِلَافَ الظَّاهِرِ، فَكَذَلِكَ لَكِنْ تُعْتَبَرُ نِيَّةٌ دِيَانَةً فَقَطْ، فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي بَلْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إلَّا إذَا كَانَ مَظْلُومًا عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ وَيُوَافِقُهُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَوَّلَ الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ دُيِّنَ إنْ لَمْ يَقْرُنْهُ بِعَدَدٍ وَلَوْ مُكْرَهًا صُدِّقَ قَضَاءً أَيْضًا. اهـ.
وَأَمَّا الْحَالِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ لِلْقَضَاءِ فِيهِ مَدْخَلٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّهُ تَعَالَى لَا حَقَّ فِيهَا لِلْعَبْدِ حَتَّى يَرْفَعَ الْحَالِفُ إلَى الْقَاضِي كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنَّهُ إنْ كَانَ مَظْلُومًا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ فَلَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَالِمٍ وَقَدْ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَلَمْ يَكُنْ غَمُوسًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute