كُلِّ سَوْطٍ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى - {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤]- أَيْ حُزْمَةَ رَيْحَانٍ فَخُصُوصِيَّةٌ لِرَحْمَةِ زَوْجَةِ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَتْحٌ.
(حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ) أَوْ لَيَقْتُلَنَّ (فُلَانًا أَلْفَ مَرَّةٍ فَهُوَ عَلَى الْكَثْرَةِ) وَالْمُبَالَغَةِ كَحَلِفِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ حَتَّى يَقْتُلَهُ أَوْ حَتَّى يَتْرُكَهُ لَا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا، وَلَوْ قَالَ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ أَوْ حَتَّى يَسْتَغِيثَ أَوْ يَبْكِيَ فَعَلَى الْحَقِيقَةِ (إنْ لَمْ
ــ
[رد المحتار]
صُورَةٌ لَا مَعْنًى وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى، وَلَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ وَاحِدٍ لَهُ شُعْبَتَانِ خَمْسِينَ مَرَّةً كُلُّ مَرَّةٍ تَقَعُ الشُّعْبَتَانِ عَلَى بَدَنِهِ بَرَّ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِائَةً، وَإِنْ جَمَعَ الْأَسْوَاطَ جَمِيعًا وَضَرَبَهُ ضَرْبَةً إنْ ضَرَبَ بِعَرْضِ الْأَسْوَاطِ لَا يَبَرُّ لِأَنَّ كُلَّ الْأَسْوَاطِ لَمْ يَقَعْ عَلَى بَدَنِهِ، وَإِنْ ضَرَبَهُ بِرَأْسِهَا إنْ سَوَّى رُءُوسَهَا قَبْلَ الضَّرْبِ بِحَيْثُ يُصِيبُهُ رَأْسُ كُلِّ سَوْطٍ بَرَّ وَأَمَّا إذَا انْدَسَّ مِنْهَا شَيْءٌ لَا يَبَرُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَفِي الْفَتْحِ حَتَّى إنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ شَرَطَ كَوْنَ كُلِّ عُودٍ بِحَالٍ لَوْ ضَرَبَ بِهِ مُنْفَرِدًا لَأَوْجَعَ الْمَضْرُوبَ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا بِالْحِنْثِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَلَمِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أُورِدَ عَلَى أَخْذِ الْإِيلَامِ فِي مَفْهُومِ الضَّرْبِ فَإِنَّهُ لَا إيلَامَ بِحُزْمَةِ الرَّيْحَانِ، فَيَكُونُ خُصُوصِيَّةً إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرَادَةَ بِالضِّغْثِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا قَبْضَةٌ مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرِ، وَهَذَا جَوَابٌ بِالْمَنْعِ أَيْ مَنْعِ الْإِيرَادِ وَالْأَوَّلُ جَوَابٌ بِالتَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
وَأَجَابَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ الضَّرْبَ فِي الْآيَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا لَا إيلَامَ فِيهِ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ، فَإِنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ ضِغْثًا) فِي الْمِصْبَاحِ هُوَ قَبْضَةٌ مِنْ حَشِيشٍ مُخْتَلِطٍ رَطْبُهَا بِيَابِسِهَا، وَيُقَالُ مِلْءُ الْكَفِّ مِنْ قُضْبَانٍ وَحَشِيشٍ أَوْ شَمَارِيخَ، وَاَلَّذِي فِي الْآيَةِ قِيلَ كَانَ حُزْمَةً مِنْ أَسْلٍ فِيهَا مِائَةُ عُودٍ وَهُوَ قُضْبَانٌ دِقَاقٌ لَا وَرَقَ لَهَا يُعْمَلُ مِنْهُ الْحُصْرُ وَالْأَصْلُ فِي الضِّغْثِ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُضْبَانٌ يَجْمَعُهَا أَصْلٌ وَاحِدٌ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى اُسْتُعْمِلَ فِيمَا يُجْمَعُ (قَوْلُهُ فَخُصُوصِيَّةٌ لِرَحْمَةِ) قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: زَوْجَتُهُ لِيَا بِنْتُ يَعْقُوبَ وَقِيلَ رَحْمَةُ بِنْتُ قَرَاثِيمَ بْنِ يُوسُفَ ذَهَبَتْ لِحَاجَةٍ وَأَبْطَأَتْ فَحَلَفَ إنْ بَرِئَ ضَرَبَهَا مِائَةَ ضَرْبَةٍ فَحَلَّلَ اللَّهُ تَعَالَى يَمِينَهُ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. ح.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَدُفِعَ كَوْنُهُ خُصُوصِيَّةً بِأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِهِ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ فِي جَوَازِ الْحِيلَةِ وَفِي الْكَشَّافِ هَذِهِ الرُّخْصَةُ بَاقِيَةٌ.
وَالْحَقُّ أَنَّ الْبِرَّ بِضَرْبٍ بِضِغْثٍ بِلَا أَلَمٍ أَصْلًا خُصُوصِيَّةٌ لِزَوْجَةِ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ بَقَاءُ شَرْعِيَّةِ الْحِيلَةِ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى قُلْنَا إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَجَمَعَهَا وَضَرَبَ بِهَا مَرَّةً لَا يَحْنَثُ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُصِيبَ بَدَنَهُ كُلُّ سَوْطٍ مِنْهَا إلَخْ.
(قَوْلُهُ فَهُوَ عَلَى الْكَثْرَةِ وَالْمُبَالَغَةِ) تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ التَّعْلِيقِ إنْ لَمْ أُجَامِعْهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَكَذَا فَعَلَى الْمُبَالَغَةِ لَا الْعَدَدِ وَقَالُوا هُنَاكَ وَالسَّبْعُونَ كَثِيرٌ، وَأَفَادَ أَنَّ الْقَتْلَ بِمَعْنَى الضَّرْبِ كَمَا هُوَ الْعُرْفُ لِأَنَّهُ الَّذِي تَمَكَّنَ فِيهِ الْكَثْرَةُ، لَا بِمَعْنَى إزْهَاقِ الرُّوحِ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ أَوْ الْقَرِينَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ شَهَرَ عَلَى إنْسَانٍ سَيْفًا وَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّهُ فَهُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَوْ شَهَرَ عَصًا وَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّهُ فَعَلَى إيلَامِهِ (قَوْلُهُ كَحَلِفِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَالَغَةِ هُنَا الشِّدَّةُ لَا خُصُوصُ كَثْرَةِ الْعَدَدِ لِقَوْلِ الْبَحْرِ فِي مَسْأَلَةِ لَا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: هَذَا عَلَى أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا مُبَرَّحًا، ثُمَّ إنَّ هَذَا إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ بِالسِّيَاطِ حَتَّى يَمُوتَ أَمَّا لَوْ قَالَ بِالسَّيْفِ فَهُوَ عَلَى أَنْ يَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ وَيَمُوتَ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ آلَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute