للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَعْدَ الْوُصُولِ لِلْحَاكِمِ، وَلَيْسَ مُطَهِّرًا عِنْدَنَا بَلْ الْمُطَهِّرُ التَّوْبَةُ. وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْحَدَّ فِي الدُّنْيَا (فَلَا تَعْزِيرَ) حَدٌّ لِعَدَمِ تَقْدِيرِهِ (وَلَا قِصَاصَ حَدٌّ) لِأَنَّهُ حَقُّ الْمَوْلَى.

وَالزِّنَا الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ (وَطْءُ) وَهُوَ إدْخَالُ

ــ

[رد المحتار]

فَإِنَّهُ طَلَبُ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَلِذَا «أَنْكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِينَ شَفَعَ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟» (قَوْلُهُ بَعْدَ الْوُصُولِ لِلْحَاكِمِ) وَأَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ فَتَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ، فَالْوُجُوبُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ بَلْ عَلَى الْإِمَامِ عِنْدَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ.

وَظَاهِرُهُ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ بَعْدَ الْوُصُولِ لِلْحَاكِمِ قَبْلَ الثُّبُوتِ عِنْدَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ بَلْ الْمُطَهِّرُ التَّوْبَةُ) فَإِذَا حُدَّ وَلَمْ يَتُبْ يَبْقَى عَلَيْهِ إثْمُ الْمَعْصِيَةِ. وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ مُطَهِّرٌ، وَأُوْضِحَ دَلِيلُنَا فِي النَّهْرِ.

مَطْلَبٌ التَّوْبَةُ تُسْقِطُ الْحَدَّ قَبْلَ ثُبُوتِهِ (قَوْلُهُ وَأَجْمَعُوا إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَا تُسْقِطُ الْحَدَّ الثَّابِتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَيْهِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ حَتَّى فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ جِنَايَتِهِمْ عَلَى نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَالٍ أَوْ كَانَ بَعْدَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ هُنَا خِلَافًا لِمَا فِي النَّهْرِ، نَعَمْ يَبْقَى عَلَيْهِمْ حَقُّ الْعَبْدِ مِنْ الْقِصَاصِ إنْ قُتِلُوا وَالضَّمَانُ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ، وَقَوْلُ الْبَحْرِ: وَالْقَطْعُ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ سَبْقُ قَلَمٍ، وَصَوَابُهُ وَالضَّمَانُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَقَاءَ حَقِّ الْعَبْدِ لَا يُنَافِي سُقُوطَ الْحَدِّ، وَكَأَنَّهُ فِي النَّهْرِ تَوَهَّمَ أَنَّ الْبَاقِيَ هُوَ الْحَدُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَافْهَمْ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ أَتَى بِفَاحِشَةٍ ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْقَاضِي بِفَاحِشَتِهِ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ. اهـ.

وَفِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْبِيرِيِّ عَنْ الْجَوْهَرِ: رَجُلٌ شَرِبَ الْخَمْرَ وَزَنَى ثُمَّ تَابَ وَلَمْ يُحَدَّ فِي الدُّنْيَا هَلْ يُحَدُّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ؟ قَالَ: الْحُدُودُ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ النَّاسِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ، فَإِذَا تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا أَرْجُو أَنْ لَا يُحَدَّ فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الْكُفْرِ وَالرِّدَّةِ وَإِنَّهُ يَزُولُ بِالْإِسْلَامِ وَالتَّوْبَةِ (قَوْلُهُ فَلَا تَعْزِيرَ حَدٌّ) تَعْزِيرَ، اسْمُ لَا مَبْنِيٌّ مَعَهَا عَلَى الْفَتْحِ وَحَدٌّ خَبَرُهَا، وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَا قِصَاصَ حَدٌّ، وَقَدَّرَ الشَّارِحُ خَبَرًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ مُفْرَدٌ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لَهُمَا لَكِنَّهُ مَصْدَرٌ لِلْجِنْسِ فَيَصْلُحُ لَهُمَا، وَالْخَطْبُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ.

ثُمَّ إنَّ الْأَوَّلَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ مُقَدَّرَةٌ، وَالثَّانِي عَلَى قَوْلِهِ وَجَبَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ تَقْدِيرِهِ: أَيْ تَقْدِيرِ التَّعْزِيرِ أَيْ كُلِّ أَنْوَاعِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ بَعْضُهَا وَهُوَ الضَّرْبُ، عَلَى أَنَّ الضَّرْبَ وَإِنْ كَانَ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةً وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ لَكِنْ مَا بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ

مَطْلَبٌ أَحْكَامُ الزِّنَا (قَوْلُهُ وَالزِّنَا) بِالْقَصْرِ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فَيُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَبِالْمَدِّ فِي لُغَةِ أَهْلِ نَجْدٍ فَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ. بَدَأَ بِالْكَلَامِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لِصِيَانَةِ النَّسْلِ فَكَانَ رَاجِعًا إلَى الْوُجُودِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَلِكَثْرَةِ وُقُوعِ سَبَبِهِ مَعَ قَطْعِيَّتِهِ، بِخِلَافِ السَّرِقَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكْثُرُ كَثْرَتَهُ، وَالشُّرْبُ وَإِنْ كَثُرَ فَلَيْسَ حَدُّهُ بِتِلْكَ الْقَطْعِيَّةِ نَهْرٌ وَفَتْحٌ مَطْلَبُ الزِّنَا شَرْعًا لَا يَخْتَصُّ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ بَلْ أَعَمُّ (قَوْلُهُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ وَطْءُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ فِي الْقُبُلِ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَخُصَّ اسْمَ الزِّنَا بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ بَلْ بِمَا هُوَ أَعَمُّ، وَالْمُوجِبُ لِلْحَدِّ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ.

وَلَوْ وَطِيء جَارِيَةَ ابْنِهِ لَا يُحَدُّ لِلزِّنَا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ زِنًا وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ بِهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ.

وَبِهِ عُلِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>