للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَذَا لَا يُمَدُّ السَّوْطُ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِي النَّفْيِ يَعُمُّ ابْنُ كَمَالٍ (وَلَا تُنْزَعُ ثِيَابُهَا إلَّا الْفَرْوَ وَالْحَشْوَ، وَتُضْرَبُ جَالِسَةً) لِمَا رَوَيْنَا (وَيُحْفَرُ لَهَا) إلَى صَدْرِهَا (فِي الرَّجْمِ) وَجَازَ تَرْكُهُ لِسَتْرِهَا بِثِيَابِهَا وَ (لَا) يَجُوزُ الْحَفْرُ (لَهُ) ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ وَلَا يُرْبَطُ وَلَا يُمْسَكُ وَلَوْ هَرَبَ، فَإِنْ مُقِرًّا لَا يُتْبَعُ وَإِلَّا اُتُّبِعَ حَتَّى يَمُوتَ كَمَا مَرَّ

(وَلَا جَمْعَ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) فِي الْمُحْصَنِ (وَلَا بَيْنَ جَلْدٍ وَنَفْيٍ) أَيْ تَغْرِيبٍ فِي الْبِكْرِ، وَفَسَّرَهُ فِي النِّهَايَةِ بِالْحَبْسِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَسْكَنُ لِلْفِتْنَةِ مِنْ التَّغْرِيبِ لِأَنَّهُ يَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ (إلَّا سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا) فَيُفَوَّضُ لِلْإِمَامِ وَكَذَا فِي كُلِّ جِنَايَةٍ نَهْرٌ

(وَيُرْجَمُ مَرِيضٌ زَنَى

ــ

[رد المحتار]

وَالْمَرْأَةُ مَبْنَى أَمْرِهَا عَلَى السَّتْرِ. وَإِنْ امْتَنَعَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَقِفْ لَا بَأْسَ بِرَبْطِهِ بِاسْطُوَانَةٍ أَوْ يُمْسَكُ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يُمَدُّ السَّوْطُ) أَفَادَ أَنَّ قَوْلَهُ غَيْرَ مَمْدُودٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى السَّوْطِ أَيْضًا: أَيْ ضَرْبًا غَيْرَ مَمْدُودٍ، وَمَدُّ السَّوْطِ فِيهِ تَفْسِيرَانِ: قِيلَ بِأَنْ يَرْفَعَهُ الضَّارِبُ فَوْقَ رَأْسِهِ، وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّهُ عَلَى جَسَدِ الْمَضْرُوبِ بَعْدَ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ وَفِيهِ زِيَادَةُ أَلَمٍ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ. فَلَفْظُ مَمْدُودٍ مُعَمَّمٌ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ النَّفْيِ فَجَازَ تَعْمِيمُهُ اهـ أَيْ فِي مَدِّ الرِّجْلِ عَلَى الْأَرْضِ وَمَدِّ السَّوْطِ بِمَعْنَيَيْهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مُخْتَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي جَوَازِ تَعْمِيمِ الْمُشْتَرَكِ فِي النَّفْيِ وَكَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي النَّفْيِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ الْحَفْرُ لَهُ) لَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: أَنَّ الرَّبْطَ وَالْإِمْسَاكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ.

وَأَمَّا الْحَفْرُ لِلْمَرْأَةِ فَلِكَوْنِهِ أَسْتَرَ لَهَا. قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا لَوْ ثَبَتَ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ لِيَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الرُّجُوعِ بِالْهَرَبِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يُرْبَطُ إلَخْ) إلَّا إذَا امْتَنَعَ كَمَا مَرَّ

(قَوْلُهُ وَلَا جَمْعَ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ الْجَلْدَ يَعْرَى عَنْ الْمَقْصُودِ مَعَ الرَّجْمِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَيْ تَغْرِيبٍ فِي الْبِكْرِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ الْآخَرِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» بَحْرٌ.

وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَفَسَّرَهُ) أَيْ فَسَّرَ النَّفْيَ الْمَرْوِيَّ فِي حَدِيثٍ آخَرَ كَرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصِنْ بِنَفْيِ عَامٍ وَإِقَامَةِ الْحَدِّ» " (قَوْلُهُ وَهُوَ أَحْسَنُ إلَخْ ") فِيهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَاتِ التَّغْرِيبِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ فِي النَّفْيِ فَتْحَ بَابِ الْفِتْنَةِ لِانْفِرَادِهَا عَنْ الْعَشِيرَةِ وَعَمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُ، وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ: حَسْبُهُمَا مِنْ الْفِتْنَةِ أَنْ يُنْفَيَا.

وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: غَرَّبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الشَّرَابِ إلَى خَيْبَرَ فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فَتَنَصَّرَ، فَقَالَ عُمَرُ لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا كَمَا فِي الْفَتْحِ.

وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ فِعْلَ الْحَبْسِ أَحْسَنُ مِنْ فِعْلِ التَّغْرِيبِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ تَفْسِيرَ الْوَارِدِ بِذَلِكَ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ الْمَنْعُ عَنْ الْفَسَادِ. وَفِي التَّغْرِيبِ فَتْحُ بَابِ الْفَسَادِ كَمَا عَلِمْت، فَفِيهِ نَقْضٌ وَإِبْطَالٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ شَرْعًا فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ بِالْمَوْضُوعِ وَهُوَ مَحِلُّ الْعَرْضِ الْمُخْتَصِّ بِهِ أَوْ بِمَوْضُوعِ الْعِلْمِ، وَهُوَ مَا يَبْحَثُ فِيهِ عَنْ عَوَارِضِهِ الذَّاتِيَّةِ كَبَدَنِ الْإِنْسَانِ لِعِلْمِ الطَّبِّ تَأَمَّلْ.

مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى السِّيَاسَةِ (قَوْلُهُ إلَّا سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا) أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ مِنْ عَطْفٍ وَإِقَامَةِ حَدٍّ عَلَى نَفْيِ عَامٍ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ.

وَفِيهِ أَيْضًا: لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ مَصْلَحَةٌ فِي التَّغْرِيبِ تَعْزِيرًا فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَهُوَ مَحْمَلُ الْوَاقِعِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ كَمَا غَرَّبَ عُمَرُ نَصْرَ بْنَ الْحَجَّاجِ لِافْتِتَانِ النِّسَاءِ بِجَمَالِهِ وَالْجَمَالُ لَا يُوجِبُ نَفْيًا.

وَعَلَى هَذَا كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ السُّلُوكِ الْمُحَقِّقِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنَّا بِهِمْ وَحَشَرَنَا مَعَهُمْ يُغَرِّبُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>