وَفُرِّقَ عَلَى بَدَنِهِ كَحَدِّ الزِّنَا) كَمَا مَرَّ.
(فَلَوْ أَقَرَّ سَكْرَانُ أَوْ شَهِدُوا بَعْدَ زَوَالِ رِيحِهَا) لَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ (أَوْ أَقَرَّ كَذَلِكَ أَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ لَا) يُحَدُّ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَعْمَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ، ثُمَّ ثُبُوتُهُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَلَا إجْمَاعَ إلَّا بِرَأْيِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ، وَهُمَا شَرَطَا قِيَامَ الرَّائِحَةِ.
(وَالسَّكْرَانُ مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ) الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَ (السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَقَالَا: مَنْ يَخْتَلِطُ كَلَامُهُ) غَالِبًا، فَلَوْ نِصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ بَحْرٌ (وَيُخْتَارُ لِلْفَتْوَى) لِضَعْفِ دَلِيلِ الْإِمَامِ فَتْحٌ.
(وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ) لَمْ يَصِحَّ (فَلَا تَحْرُمُ عِرْسُهُ) وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ السَّبْعِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ أَنَّهُ كَالصَّاحِي كَمَا
ــ
[رد المحتار]
لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ عَامِلُهُ يُحَدُّ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) فَلَا يُضْرَبُ الرَّأْسُ وَالْوَجْهُ، وَيُضْرَبُ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ، وَيُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ فِي الْمَشْهُورِ إلَّا الْإِزَارَ احْتِرَازًا عَنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ بَحْرٌ وَفِي شَرْحِ الْوَهَّابِيَّةِ: وَالْمَرْأَةُ تُحَدُّ فِي ثِيَابِهَا
(قَوْلُهُ فَلَوْ أَقَرَّ سَكْرَانُ) أَيْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ لَا يُحَدُّ إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمَسْرُوقَ، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ، وَالسَّكْرَانُ كَالصَّاحِي فِيمَا فِيهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ عُقُوبَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْآفَةَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا أَقَرَّ بِالْقَذْفِ سَكْرَانُ حُبِسَ حَتَّى يَصْحُوَ فَيُحَدُّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ يُحْبَسُ حَتَّى يَخِفَّ عَنْهُ الضَّرْبُ فَيُحَدُّ لِلسُّكْرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ حَدُّهُ لِلسُّكْرِ بِمَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِهِ وَإِلَّا فَبِمُجَرَّدِ سُكْرِهِ لَا يُحَدُّ لِإِقْرَارِهِ بِالسُّكْرِ، وَكَذَا يُؤْخَذُ بِالْإِقْرَارِ بِسَبَبِ الْقِصَاصِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ مِنْ الْمَالِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهَا فَتْحٌ مُلَخَّصًا، وَقَوْلُهُ عُقُوبَةً لَهُ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَكِرَ مُكْرَهًا أَوْ مُضْطَرًّا لَا يُؤَاخَذُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ أَيْضًا (قَوْلُهُ أَوْ أَقَرَّ كَذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ زَوَالِ رِيحِهَا، وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّ التَّقَادُمَ يُبْطِلُ الْإِقْرَارَ وَإِنَّهُ مُقَدَّرٌ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ (قَوْلُهُ فَيَعْمَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ وَأَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ.
وَإِذَا أَقَرَّ وَهُوَ سَكْرَانُ يَزِيدُ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فَيُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ أَيْضًا (قَوْلُهُ ثُمَّ ثُبُوتُهُ إلَخْ) هَذَا بَيَانٌ لِدَلِيلِهِمَا عَلَى اشْتِرَاطِ قِيَامِ الرَّائِحَةِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ، فَعِنْدَ عَدَمِ قِيَامِهَا يَنْتَفِي الْحَدُّ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمْ يَكْمُلْ إلَّا بِقَوْلِ مَنْ اشْتَرَطَ قِيَامَهَا، لَكِنْ قَدَّمْنَا تَصْحِيحَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ وَبَيَانُهُ فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ وَالسَّكْرَانُ إلَخْ) بَيَانٌ لِحَقِيقَةِ السُّكْرِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ فِي شُرْبِ مَا سِوَى الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ، وَلَمَّا كَانَ السُّكْرُ مُتَفَاوِتًا اشْتَرَطَ الْإِمَامُ أَقْصَاهُ دَرْءًا لِلْحَدِّ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يُمَيِّزَ بَيْنَ شَيْءٍ وَشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَعْرَى عَنْ شُبْهَةِ الصَّحْوِ، نَعَمْ وَافَقَهُمَا الْإِمَامُ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الْقَدْرِ الْمُسْكِرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْكِرِ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ مَا قَالَاهُ إجْمَاعًا أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ اهـ: وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ كَقَوْلِهِمَا أَيْضًا فِي السُّكْرِ الَّذِي لَا يَصِحُّ رِدَّتُهُ فِيمَا دُونَهُ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ لِلْحُدُودِ، وَكَذَا فِي الَّذِي لَا تَصِحُّ مَعَهُ الرِّدَّةُ، إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ فِيهِ أَقْصَاهُ لَزِمَ أَنْ تَصِحَّ رِدَّتُهُ فِيمَا دُونَهُ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ فِي عَدَمِ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ، وَالْإِمَامُ إنَّمَا اعْتَبَرَ أَقْصَى السُّكْرِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي دَرْءِ السُّكْرِ وَاعْتِبَارُ الْأَقْصَى هُنَا خِلَافُ الِاحْتِيَاطِ، هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْفَتْحِ.
قُلْت: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ رِدَّتُهُ فِيمَا دُونَ الْأَقْصَى بِالنِّسْبَةِ إلَى فَسْخِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ، وَفِيهِ الْعَمَلُ بِالِاحْتِيَاطِ أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ لَمْ يَصِحَّ ارْتِدَادُهُ: أَيْ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ:؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ أَوْ الِاسْتِخْفَافِ، وَلَا اعْتِقَادَ لِلسَّكْرَانِ وَلَا اسْتِخْفَافَ؛ لِأَنَّهُمَا فَرْعُ قِيَامِ الْإِدْرَاكِ. وَهَذَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ قَصَدَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ذَاكِرًا لِمَعْنَاهُ كَفَرَ وَإِلَّا لَا. اهـ. وَقَدْ عَلِمْت آنِفًا مَا الْمُرَادُ بِالسُّكْرِ هُنَا (قَوْلُهُ فَلَا تَحْرُمُ عِرْسُهُ) أَيْ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ فِي حَالَةِ السُّكْرِ، أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ السَّكْرَانِ مِنْ مُحَرَّمٍ كَالصَّاحِي إلَّا فِي سَبْعٍ: لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ