(لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ) وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَا بِالشُّرْبِ طَائِعًا وَيَقُولَا أَخَذْنَاهُ وَرِيحُهَا مَوْجُودَةٌ (وَلَا يَثْبُتُ) الشُّرْبُ (بِهَا) بِالرَّائِحَةِ (وَلَا بِتَقَايُئِهَا، بَلْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ يَسْأَلُهُمَا الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّتِهَا وَكَيْفَ شَرِبَ) لِاحْتِمَالِ الْإِكْرَاهِ (وَمَتَى شَرِبَ) لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ (وَأَيْنَ شَرِبَ) لِاحْتِمَالِ شُرْبِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِذَا بَيَّنُوا ذَلِكَ حَبَسَهُ يَسْأَلُ عَنْ عَدَالَتِهِمْ، وَلَا يَقْضِي بِظَاهِرِهَا فِي حَدٍّ مَا خَانِيَّةٌ.
وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِسُكْرِهِ مِنْ الْخَمْرِ وَالْآخَرُ مِنْ السُّكْرِ لَمْ يُحَدَّ ظَهِيرِيَّةٌ (أَوْ) يَثْبُتُ (بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً صَاحِيًا ثَمَانُونَ سَوْطًا) مُتَعَلِّقٌ بِيُحَدُّ (لِلْحُرِّ، وَنِصْفُهَا لِلْعَبْدِ،
ــ
[رد المحتار]
لِتَذْكِيرِ الْخَبَرِ، وَالْمُؤَنَّثُ السَّمَاعِيُّ هُوَ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ لَفْظُهُ بِعَلَامَةِ تَأْنِيثٍ وَلَكِنَّهُ سُمِعَ مُؤَنَّثًا بِالْإِسْنَادِ إنْ كَانَ رُبَاعِيًّا كَهَذِهِ الْعَقْرَبِ قَتَلْتهَا، وَبِهِ أَوْ بِالتَّصْغِيرِ إنْ كَانَ ثُلَاثِيًّا كَعُيَيْنَةٍ فِي تَصْغِيرِ عَيْنٍ هَذِهِ النَّارُ أَضْرَمْتهَا وَذَلِكَ فِي أَلْفَاظٍ مَحْصُورَةٍ.
(قَوْلُهُ لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ) أَفَادَ أَنَّ زَوَالَهَا لِمُعَالَجَةِ دَوَاءٍ لَا يَمْنَعُ الْحَدَّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ الشُّرْبُ بِهَا) ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا قِيلَ:
يَقُولُونَ لِي انْكِهِ قَدْ شَرِبْت مُدَامَةً ... فَقُلْت لَهُمْ لَا بَلْ أَكَلْت السَّفَرْجَلَا
وَانْكِهِ بِوَزْنِ امْنَعْ وَنِكْهُ مِنْ بَابِهِ: أَيْ أَظْهِرْ رَائِحَةَ فَمِك فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِالرَّائِحَةِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِهَا (قَوْلُهُ وَلَا بِتَقَايُئِهَا) مَصْدَرُ تَقَيَّأَ. اهـ. ح لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَرِبَهَا مُكْرَهًا أَوْ مُضْطَرًّا فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالشَّكِّ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ سَكْرَانُ لَا يُحَدُّ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ لِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرْنَا أَوْ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ الْمُبَاحِ بَحْرٌ، لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ بِمُجَرَّدِ الرِّيحِ أَوْ السُّكْرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ رَجُلَيْنِ) احْتِرَازٌ عَنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ لِلشُّبْهَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَسْأَلُهُمَا الْإِمَامُ) أَشَارَ إلَى مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِقَاضِي الرُّسْتَاقِ أَوْ فَقِيهِهِ أَوْ الْمُتَفَقِّهَةِ أَوْ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ إقَامَةُ حَدِّ الشُّرْبِ إلَّا بِتَوْلِيَةِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ عَنْ مَاهِيَّتِهَا) لِاحْتِمَالِ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ بَاقِيَ الْأَشْرِبَةِ خَمْرٌ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ الْإِكْرَاهِ) لَكِنْ لَوْ قَالَ أُكْرِهْت لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالشُّرْبِ طَائِعًا وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ التَّقَادُمَ مُقَدَّرٌ بِالزَّمَانِ وَهُوَ شَهْرٌ، وَإِلَّا فَالشَّرْطُ عِنْدَهُمَا أَنْ يُؤْخَذَ وَالرِّيحُ مَوْجُودَةٌ كَمَا مَرَّ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، فَالتَّقَادُمُ عِنْدَهُمَا مُقَدَّرٌ بِزَوَالِ الرَّائِحَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ اتِّفَاقًا، وَكَذَا يَمْنَعُ الْإِقْرَارَ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَرَجَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلَهُ وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ قَوْلُهُمَا إلَّا أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ السَّكَرِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالْكَافِ: وَهُوَ عَصِيرُ الرُّطَبِ إذَا اشْتَدَّ، وَقِيلَ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ عِنَايَةٌ. قُلْت: وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِالسُّكْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ، وَكَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُحَدُّ لِعَدَمِ تُوَافِقُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْمَشْرُوبِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَاثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ غَيْرِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ظَهِيرِيَّةٌ) وَمِثْلُهُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ أَوْ بِإِقْرَارِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَقَدْرُ الشَّارِحِ يَثْبُتُ لِطُولِ الْفَصْلِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي حَصْرِهِ الثُّبُوتَ فِي الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ يُوجَدُ فِي بَيْتِهِ الْخَمْرُ وَهُوَ فَاسِقٌ أَوْ يُوجَدُ الْقَوْمُ مُجْتَمِعِينَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَرَهُمْ أَحَدٌ شَرِبُوهَا لَا يُحَدُّونَ وَإِنَّمَا يُعَزَّرُونَ، وَكَذَا الرَّجُلُ مَعَهُ رَكْوَةٌ مِنْ الْخَمْرِ اهـ بَلْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ سَكْرَانُ لَا يُحَدُّ بِلَا بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ بَلْ يُعَزَّرُ (قَوْلُهُ مَرَّةً) رَدٌّ لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ بَحْرٌ.
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِسُؤَالِ الْقَاضِي الْمُقِرَّ عَنْ الْخَمْرِ مَا هِيَ؟ وَكَيْفَ شَرِبَهَا؟ وَأَيْنَ شَرِبَ؟ وَيَنْبَغِي ذَلِكَ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعَلِمَ شُرْبَهُ طَوْعًا إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِيُحَدُّ) أَيْ تَعَلُّقًا مَعْنَوِيًّا