وَلَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا فَأَسْلَمَ فَشَرِبَ الْخَمْرَ جَاهِلًا بِالْحُرْمَةِ لَا يُحَدُّ، بِخِلَافِ الزِّنَا لِحُرْمَتِهِ فِي كُلِّ مِلَّةٍ. قُلْت: يُرَدُّ عَلَيْهِ حُرْمَةُ السُّكْرِ أَيْضًا فِي كُلِّ مِلَّةٍ فَتَأَمَّلْ (بَعْدَ الْإِفَاقَةِ) فَلَوْ حُدَّ قَبْلَهَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعَادُ عَيْنِيٌّ (إذَا أُخِذَ) الشَّارِبُ (وَرِيحُ مَا شَرِبَ) مِنْ خَمْرٍ أَوْ نَبِيذٍ فَتْحٌ، فَمَنْ قَصَرَ الرَّائِحَةَ عَلَى الْخَمْرِ فَقَدْ قَصَرَ (مَوْجُودَةٌ) خَبَرُ الرِّيحِ وَهُوَ مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ غَايَةٌ (إلَّا أَنْ تَنْقَطِعَ) الرَّائِحَةُ
ــ
[رد المحتار]
بِكَوْنِهِ فِي دَارِنَا، لَكِنْ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَا بِمُجَرَّدِ الْكَوْنِ فِي دَارِنَا وَإِلَّا لَمْ يُوَافِقْ التَّعْلِيلُ الْمُعَلَّلَ.
وَيُوَضِّحُ الْمَقَامَ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَجَاءَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ شَرِبَ الْخَمْرَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ أُخِذَ بِالْحَدِّ وَلَمْ يُعْذَرْ بِقَوْلِهِ لَمْ أَعْلَمْ.
وَأَمَّا الْمَوْلُودُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ وَهُوَ بَالِغٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ (قَوْلُهُ قُلْت يَرُدُّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ لِحُرْمَتِهِ أَيْ الزِّنَا فِي كُلِّ مِلَّةٍ حَيْثُ جَعَلُوهُ وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ الشُّرْبِ وَالزِّنَا، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الشُّرْبَ لَا يَحْرُمُ فِي كُلِّ مِلَّةٍ مَعَ أَنَّهُ مُنَافٍ لِمَا مَرَّ مِنْ حُرْمَتِهِ كَذَلِكَ. وَدُفِعَ بِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي كُلِّ مِلَّةٍ هُوَ السُّكْرُ لَا نَفْسُ الشُّرْبِ، وَالْمُرَادُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشُّرْبِ وَالزِّنَا.
قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُمْ فَشَارِبُ الْخَمْرِ جَاهِلًا بِالْحُرْمَةِ لَا يُحَدُّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَكِرَ مِنْ هَذَا الشُّرْبِ أَوَّلًا، بَلْ الْمُتَبَادِرُ السُّكْرُ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الشُّرْبَ بِلَا سُكْرٍ لَكَانَ الْوَاجِبُ تَقْيِيدَهُ، أَوْ كَانَ يُقَالُ فَشَرِبَ قَطْرَةً نَعَمْ قَدْ يُدْفَعُ أَصْلُ الْإِيرَادِ بِمَنْعِ حُرْمَةِ السُّكْرِ فِي كُلِّ مِلَّةٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ.
[تَتِمَّةٌ] لَوْ شَرِبَ الْحَلَالُ ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ حُدَّ، لَكِنْ لَوْ الْتَجَأَ إلَى الْحَرَمِ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَظَّمَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَرِبَ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَخَفَّهُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْعِمَادِيِّ، وَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ شَرِبَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُحَدُّ.
فَعُلِمَ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ لِلشُّرْبِ عَشْرَةٌ: ذِمِّيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمُرْتَدٌّ وَإِنْ شَرِبَ قَبْلَ رِدَّتِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الشُّرْبِ وَصَبِيٌّ، وَمَجْنُونٌ وَأَخْرَسُ وَمُكْرَهٌ، وَمُضْطَرٌّ لِعَطَشٍ مُهْلِكٍ، وَمُلْتَجِئٌ إلَى الْحَرَمِ، وَجَاهِلٌ بِالْحُرْمَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَمَنْ شَرِبَ فِي غَيْرِ دَارِنَا، وَبِهِ يُعْلَمُ شُرُوطُ الْحَدِّ هُنَا (قَوْلُهُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ) أَيْ الصَّحْوِ مِنْ السُّكْرِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُحَدُّ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعَادُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ.
قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ ةِ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ اهـ وَبُيِّنَ وَجْهُهُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَلَمَ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَدٌّ فَلَا يُعَادُ بَعْدَ صَحْوِهِ. اهـ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ، لِمَا فِي الْفَتْحِ: وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ السُّكْرُ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الِانْزِجَارِ وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ غَيْبُوبَةَ الْعَقْلِ أَوْ غَلَبَةَ الطَّرَبِ تُخَفِّفُ الْأَلَمَ. ثُمَّ ذَكَرَ حِكَايَةً. حَاصِلُهَا أَنَّ السَّكْرَانَ وَضَعَ عَلَى رُكْبَتِهِ جَمْرَةً حَتَّى طَفِئَتْ وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا حَتَّى أَفَاقَ فَوَجَدَ الْأَلَمَ.
قَالَ: وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُفِيدُ الْحَدُّ فَائِدَتَهُ إلَّا حَالَ الصَّحْوِ، وَتَأْخِيرُ الْحَدِّ لِعُذْرٍ جَائِزٌ اهـ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَخْطَأَ فَحَدَّهُ قَبْلَ صَحْوِهِ أَنْ يَسْقُطَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ بَعْدَ الصَّحْوِ.
وَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَسَارَ السَّارِقِ لَا تُقْطَعُ يَمِينُهُ أَيْضًا لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ، فَإِنَّ الِانْزِجَارَ حَاصِلٌ بِالْيَسَارِ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ قَطْعَ الْيَمِينِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَتْ الْيَمِينُ أَيْضًا يَلْزَمُ تَفْوِيتُ الْمَنْفَعَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَذَلِكَ إهْلَاكٌ، وَلِذَا لَا يُقْطَعُ لَوْ كَانَتْ يُسْرَاهُ مَقْطُوعَةً أَوْ إبْهَامُهَا (قَوْلُهُ إذَا أُخِذَ الشَّارِبُ) شَرْطٌ تَقَدَّمَ دَلِيلُ جَوَابِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ يُحَدُّ مُسْلِمٌ إلَخْ وَضَمِيرُ أَخَذَ يَعُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالشَّارِبِ، وَالْمُرَادُ أَخْذُهُ إلَى الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ وَرِيحُ مَا شَرِبَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَالشَّهَادَةُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا: أَيْ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ مِنْ غَيْرِهِ مُقَيَّدَةٌ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ، فَلَا بُدَّ مَعَ شَهَادَتِهِمَا بِالشُّرْبِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنَّ الرِّيحَ قَائِمٌ حَالَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ بِأَنْ يَشْهَدَا بِهِ وَبِالشُّرْبِ أَوْ يَشْهَدَا بِهِ فَقَطْ فَيَأْمُرُ الْقَاضِي بِاسْتِنْكَاهِهِ فَيَسْتَنْكِهَ وَيُخْبِرَ بِأَنَّ رِيحَهَا مَوْجُودٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ) الْأَوْلَى وَهِيَ لِعَوْدِهِ إلَى الرِّيحِ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ ضَمِيرَهَا