لَكِنْ فِي النَّهْرِ: قَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ كَصَغِيرَةٍ وَمَمْلُوكَةٍ وَحُرَّةٍ مُتَهَتِّكَةٍ مِنْ الصَّغَائِرِ.
(هُوَ كَحَدِّ الشُّرْبِ كَمِّيَّةً وَثُبُوتًا) فَيَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ يَسْأَلُهُمَا الْإِمَامُ عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: لَكِنْ الْإِحْصَانُ شَرْطُ الْحَدِّ، وَلَهُ شُرُوطٌ أُخَرُ سَتُذْكَرُ، وَالْكَلَامُ فِي الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَشْرُوطَةِ بِمَا يَأْتِي. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ أَيْضًا بِكَوْنِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْبِيرِ وَالشَّتْمِ لِيُخْرِجَ شَهَادَةَ الزِّنَا (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) عَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى الْحَلِيمِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْإِيذَاءَ فِي قَذْفِ هَؤُلَاءِ دُونَهُ فِي الْحُرَّةِ الْكَبِيرَةِ الْمُتَسَتِّرَةِ، وَذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا غَيْرَ مُعْزًى. وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّ الْقَذْفَ فِي الْخَلْوَةِ صَغِيرَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، قَالَ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ لُحُوقُ الْعَارِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْخَلْوَةِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ فِي الْفَتْحِ اسْتَدَلَّ لِلْإِجْمَاعِ بِآيَةِ - {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤]- وَبِحَدِيثِ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» وَعَدَّ مِنْهَا قَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ، أَيْ وَهَذَا صَادِقٌ عَلَى قَذْفِ الْمُحْصَنَةِ فِي الْخَلْوَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ، وَقَالَ مُحَشِّيهِ اللَّقَانِيُّ: إنَّ الْمُحَقَّقَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ نَفْيُ إيجَابِ الْحَدِّ لَا نَفْيُ كَوْنِهِ كَبِيرَةً أَيْضًا لِتَوَجُّهِ النَّفْيِ عَلَى الْقَيْدِ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا: إنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ صَادِقًا دُونَ الْكَاذِبِ لِجَرَاءَتِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَيْ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي الْخَلْوَةِ.
وَقَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: قُلْت وَاَلَّذِي حَرَّرْته فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ وَالِدِ شَيْخِنَا النَّجْمِ الْغَزِّيِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا وَلَا شُهُودَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَوْ مِنْ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ أَوْ لِوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ بِهِ بَلْ يُعَزَّرُ وَلَوْ لِغَيْرِ مُحْصَنٍ، وَشَرْطُ الْفُقَهَاءُ الْإِحْصَانَ إنَّمَا هُوَ لِوُجُوبِ الْحَدِّ لَا لِكَوْنِهِ كَبِيرَةً. وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ وَاثِلَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قَذَفَ ذِمِّيًّا حُدَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسِيَاطٍ مِنْ نَارٍ» ". ثُمَّ مِنْ الْمَعْلُومِ ضَرُورَةً أَنَّ قَذْفَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كُفْرٌ سَوَاءٌ كَانَ سِرًّا أَوْ جَهْرًا، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي مَرْيَمَ، وَكَذَا الرَّمْيُ بِاللِّوَاطَةِ اهـ أَيْ إنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهِ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ
(قَوْلُهُ كَمِّيَّةً) أَيْ قَدْرًا وَهُوَ ثَمَانُونَ سَوْطًا إنْ كَانَ حُرًّا وَنِصْفُهَا إنْ كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ بِرَجُلَيْنِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَثُبُوتًا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِشَهَادَةِ النِّسَاءِ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي.
وَيَثْبُتُ أَيْضًا بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ مَرَّةً كَمَا فِي الْبَحْرِ؛ وَلَا يُسْتَحْلَفُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ فِي السَّرِقَةِ لِأَجْلِ الْمَالِ، فَإِنْ أَبَى ضَمِنَ الْمَالَ وَلَمْ يُقْطَعْ.
وَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي الزَّمَانِ لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَهُ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ: وَعِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ، وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَذْفِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ لَمْ يُحَدَّ اتِّفَاقًا اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا تَبْطُلُ لَوْ اخْتَلَفَا فِي اللُّغَةِ الَّتِي قَذَفَ بِهَا أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَسْت لِأَبِيك اهـ مُلَخَّصًا مِنْ كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ عَنْ مَاهِيَّتِهِ) أَيْ حَقِيقَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ وَكَيْفِيَّتِهِ) أَيْ اللَّفْظِ الَّذِي قَذَفَ بِهِ. اهـ. ح.
قُلْت: فِيهِ إنَّ هَذَا اللَّفْظَ رُكْنُ الْقَذْفِ، وَالْكَيْفِيَّةُ الْحَالَّةُ وَالْهَيْئَةُ، كَمَا يُقَالُ: كَيْفَ زَيْدٌ؟ فَتَقُولُ صَحِيحٌ أَوْ سَقِيمٌ وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ السُّؤَالِ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا بِالطَّوْعِ أَوْ الْإِكْرَاهِ. فَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ هُنَا كَذَلِكَ، إذْ لَوْ أَكْرَهَ الْقَاذِفُ عَلَى الْقَذْفِ لَمْ يُحَدَّ، لَكِنْ ظَاهِرُ مَا فِي الْكَافِي أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ هَذَا غَيْرُ لَازِمٍ حَيْثُ قَالَ وَإِنْ جَاءَ الْمَقْذُوفُ بِشَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا أَنَّهُ قَذَفَهُ سُئِلَا عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَزِيدَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ، فَإِنَّ الْقَذْفَ يَكُونُ بِالْحِجَارَةِ وَبِغَيْرِ الزِّنَا، وَإِنْ قَالَا نَشْهَدُ أَنَّهُ قَالَ يَا زَانِي قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَحَدَدْت الْقَاذِفَ اهـ فَظَاهِرُهُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْمَاهِيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ إنَّمَا هُوَ إذَا شَهِدَا بِالْقَذْفِ، أَمَّا لَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ قَالَ يَا زَانِي لَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ أَصْلًا إذْ لَوْ كَانَ مُكْرَهًا لَبَيَّنَّاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute