إلَّا إذَا شَهِدَا بِقَوْلِهِ يَا زَانِي ثُمَّ يَحْبِسُهُ لِيَسْأَلَ عَنْهُمَا كَمَا يَحْبِسُهُ لِشُهُودٍ يُمْكِنُ إحْضَارُهُمْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِلَّا لَا ظَهِيرِيَّةٌ؛ وَلَا يُكَلِّفُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي نَهْرٌ.
(وَيُحَدُّ الْحُرُّ أَوْ الْعَبْدُ) وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً (قَاذِفُ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ) الثَّابِتَةُ حُرِّيَّتُهُ وَإِلَّا فَفِيهِ التَّعْزِيرُ (الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْعَفِيفِ) عَنْ فِعْلِ الزِّنَا،
ــ
[رد المحتار]
فَلْيَتَأَمَّلْ، وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْكَيْفِيَّةِ أَنَّهُ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ فَتَأَمَّلْ. وَفِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ عَنْ الْحَمَوِيِّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمَا عَنْ الْمَكَانِ لِاحْتِمَالِ قَذْفِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ، وَعَنْ الزَّمَانِ لِاحْتِمَالِ قَذْفِهِ فِي صِبَاهُ لَا لِاحْتِمَالِ التَّقَادُمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِهِ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُدُودِ، ثُمَّ رَأَيْت الْأَوَّلَ فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا شَهِدَا إلَخْ) تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ آنِفًا (قَوْلُهُ كَمَا يَحْبِسُهُ لِشُهُودٍ) الْأَوْلَى لِشَاهِدٍ بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَتَهُمَا حَبَسَهُ الْقَاضِي حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا وَادَّعَى أَنَّ الثَّانِيَ فِي الْمِصْرِ حَبَسَهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَلَوْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً فِي الْمِصْرِ حَبَسَهُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ قَالُوا: وَالْمُرَادُ بِالْحَبْسِ فِي الْأَوَّلَيْنِ حَقِيقَتُهُ، وَفِي الثَّالِثِ الْمُلَازَمَةُ (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفُلُهُ) أَيْ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَأْخُذُهُ نَهْرٌ وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ
(قَوْلُهُ وَيُحَدُّ الْحُرُّ إلَخْ) أَيْ الشَّخْصُ الْحُرُّ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً فَافْهَمْ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشُرُوطِ الْقَاذِفِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا نَاطِقًا طَائِعًا فِي دَارِ الْعَدْلِ، فَلَا يُحَدُّ الصَّبِيُّ بَلْ يُعَزَّرُ، وَلَا الْمَجْنُونُ إلَّا إذَا سَكِرَ بِمُحَرَّمٍ؛ لِأَنَّهُ كَالصَّاحِي فِيمَا فِيهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ كَمَا مَرَّ، وَلَا الْمُكْرَهُ وَلَا الْأَخْرَسُ لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِالزِّنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الشَّلَبِيِّ عَنْ النِّهَايَةِ، وَلَا الْقَاذِفُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا كَوْنُهُ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِكَوْنِهِ نَاشِئًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا أَيْضًا، لَكِنْ فِي كَافِي الْحَاكِمِ حَرْبِيٌّ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا لَمْ يُحَدَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ، وَيُحَدُّ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ اهـ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُحَدُّ وَلَوْ فِي فَوْرِ دُخُولِهِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ فَيَحْرُمُ الْقَذْفُ بِهِ أَيْضًا فَلَا يُصَدَّقُ بِالْجَهْلِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا) الْأَوْلَى وَلَوْ كَافِرًا لِيَشْمَلَ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَمَا عَلِمْته آنِفًا، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا (قَوْلُهُ قَاذِفُ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ إلَخْ) بَيَانٌ لِشُرُوطِ الْمَقْذُوفِ (قَوْلُهُ الثَّابِتَةُ حُرِّيَّتُهُ) أَيْ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ إذَا أَنْكَرَ الْقَاذِفُ حُرِّيَّتَهُ، وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ حُرِّيَّةَ نَفْسِهِ وَقَالَ أَنَا عَبْدٌ، وَعَلَى حَدِّ الْعَبِيدِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْذُوفُ مُسْلِمًا حُرًّا، بِأَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مَمْلُوكًا، وَكَذَا مَنْ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ إذَا قَذَفَهُ بِالزِّنَا فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيَبْلُغُ بِهِ غَايَتَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ) خَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا الزِّنَا إذْ هُوَ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ وَالْحُرْمَةُ بِالتَّكْلِيفِ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: إذَا قَذَفَ غُلَامًا مُرَاهِقًا فَادَّعَى الْغُلَامُ الْبُلُوغَ بِالسِّنِّ أَوْ بِالِاحْتِلَامِ لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ بِقَوْلِهِ بَحْرٌ، فَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ رَاهَقَا وَقَالَا بَلَغْنَا صُدِّقَا، وَأَحْكَامُهُمَا أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ الْعَفِيفِ عَنْ فِعْلِ الزِّنَا) زَادَ الشَّارِحُ فِي بَابِ اللِّعَانِ وَتُهْمَتِهِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ قَذْفِ ذَاتِ وَلَدٍ لَيْسَ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ، وَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا؛ لِأَنَّ التُّهْمَةَ مَوْجُودَةٌ، فَيَنْبَغِي ذِكْرُ هَذَا الْقَيْدِ هُنَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الزِّنَا فِي الشَّرْعِ أَعَمُّ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ وَمَا لَا يُوجِبُهُ وَهُوَ الْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ، حَتَّى لَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ لَا يُحَدُّ لِلزِّنَا وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ بِالزِّنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ زِنًا وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ أَوَّلَ الْحُدُودِ. وَأَمَّا لَوْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَلَيْسَ بِزِنًا؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِيقَةِ الْمَلِكِ كَوَطْءِ زَوْجَتِهِ الْحَائِضِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ لِعَارِضٍ، وَالزِّنَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَطْئًا مُحَرَّمًا لِعَيْنِهِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ رَجُلٌ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، وَلِهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute