مُطْلَقًا وَهُوَ الْحَقُّ بِلَا شَرْطِ إحْصَانٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ بَلْ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ شَخْصٍ رَأَى مُسْلِمًا يَزْنِي يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ خَوْفًا مِنْ أَنْ لَا يُصَدَّقَ أَنَّهُ زَنَى (وَعَلَى هَذَا) الْقِيَاسِ (الْمُكَابِرُ بِالظُّلْمِ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَصَاحِبُ الْمَكْسِ وَجَمِيعُ الظَّلَمَةِ بِأَدْنَى شَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ) وَجَمِيعُ الْكَبَائِرِ وَالْأَعْوِنَةُ وَالسُّعَاةُ يُبَاحُ قَتْلُ الْكُلِّ وَيُثَابُ قَاتِلُهُمْ انْتَهَى. وَأَفْتَى النَّاصِحِيُّ بِوُجُوبِ قَتْلِ كُلِّ مُؤْذٍ وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَيَكُونُ بِالنَّفْيِ عَنْ الْبَلَدِ، وَبِالْهُجُومِ عَلَى بَيْتِ الْمُفْسِدِينَ، وَبِالْإِخْرَاجِ مِنْ الدَّارِ، وَبِهَدْمِهَا،
ــ
[رد المحتار]
قَتْلُهُمَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَحِلُّ حَتَّى يَرَى مِنْهُ الْعَمَلَ: أَيْ الزِّنَا وَدَوَاعِيَهُ، وَمِثْلُهُ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى. اهـ. وَفِي سَرِقَةِ الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ رَأَى فِي مَنْزِلِهِ رَجُلًا مَعَهُ أَهْلُهُ أَوْ جَارَهُ يَفْجُرُ وَخَافَ إنْ أَخَذَهُ أَنْ يَقْهَرَهُ فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ قَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً لَهُ قَتَلَهُمَا فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْفَرْقَ مِنْ حَيْثُ رُؤْيَةُ الزِّنَا وَعَدَمُهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ أَجْنَبِيَّةٍ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَهُوَ الْحَقُّ) مَفْهُومُهُ أَنَّ مُقَابِلَهُ بَاطِلٌ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ كَلَامِهِ مَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهُ بَلْ مَا نَقَلَهُ بَعْدَهُ عَنْ الْمُجْتَبَى يُفِيدُ صِحَّتَهُ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْنَاهُ مَا يَتَّفِقُ بِهِ كَلَامُهُمْ، وَأَمَّا كَوْنُ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ لَا مِنْ الْحَدِّ فَلَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الِانْزِجَارِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِلَا شَرْطِ إحْصَانٍ إلَخْ) رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مُحْصَنٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَجَزَمَ بِهِ الطَّرَسُوسِيُّ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَرَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَدِّ بَلْ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ حَسَنٌ، فَإِنَّ هَذَا الْمُنْكَرَ حَيْثُ تَعَيَّنَ الْقَتْلُ طَرِيقًا فِي إزَالَتِهِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْإِحْصَانِ فِيهِ، وَلِذَا أَطْلَقَهُ الْبَزَّازِيُّ. اهـ.
قُلْت: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَدَّ لَا يَلِيهِ إلَّا الْإِمَامُ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) عَزَاهُ بَعْضُهُمْ أَيْضًا إلَى جَامِعِ الْفَتَاوَى وَحُدُودِ الْبَزَّازِيَّةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَحِلُّ دِيَانَةً لَا قَضَاءً فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي إلَّا بِبَيِّنَةٍ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي السَّرِقَةِ، وَهُوَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الدَّارِ بَيِّنَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ قُتِلَ صَاحِبُ الدَّارِ قِصَاصًا وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِهِ فَكَذَلِكَ قِيَاسًا. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ لَا فِي الْمَالِ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إلَخْ) هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ عِبَارَةِ الْمُجْتَبَى، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ الْمُكَابِرُ) أَيْ الْآخِذُ عَلَانِيَةً بِطَرِيقِ الْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: كَابَرْته مُكَابَرَةً غَالَبْته مُغَالَبَةً (قَوْلُهُ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ) أَيْ إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَرَأَى قَاطِعَ طَرِيقٍ لَهُ قَتْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى غَيْرِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ النَّاسِ مِنْ شَرِّهِ وَأَذَاهُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَجَمِيعُ الْكَبَائِرِ) أَيْ أَهْلُهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُتَعَدِّي ضَرَرُهَا إلَى الْغَيْرِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَالْأَعْوِنَةُ وَالسُّعَاةُ عَطْفَ تَفْسِيرٍ أَوْ عَطْفَ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ، فَيَشْمَلُ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ كَالسَّاحِرِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَاللِّصِّ وَاللُّوطِيِّ وَالْخَنَّاقِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ عَمَّ ضَرَرُهُ وَلَا يَنْزَجِرُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ (قَوْلُهُ وَالْأَعْوِنَةُ) كَأَنَّهُ جَمْعُ مُعِينٍ أَوْ عَوَانٍ بِمَعْنَاهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ السَّاعِي إلَى الْحُكَّامِ بِالْإِفْسَادِ، فَعَطْفُ السُّعَاةِ عَلَيْهِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ.
وَفِي رِسَالَةِ أَحْكَامِ السِّيَاسَةِ عَنْ جَمْعِ النَّسَفِيِّ: سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ قَتْلِ الْأَعْوِنَةِ وَالظَّلَمَةِ وَالسُّعَاةِ فِي أَيَّامِ الْفَتْرَةِ: قَالَ يُبَاحُ قَتْلُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ سَاعُونَ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، فَقِيلَ إنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ عَنْ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ الْفَتْرَةِ وَيَخْتَفُونَ. قَالَ: ذَلِكَ امْتِنَاعُ ضَرُورَةٍ - {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: ٢٨]- كَمَا نُشَاهِدُ.
قَالَ وَسَأَلْنَا الشَّيْخَ أَبَا شُجَاعٍ عَنْهُ، فَقَالَ: يُبَاحُ قَتْلُهُ وَيُثَابُ قَاتِلُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَفْتَى النَّاصِحِيُّ إلَخْ) لَعَلَّ الْوُجُوبَ بِالنَّظَرِ لِلْإِمَامِ وَنُوَّابِهِ وَالْإِبَاحَةَ بِالنَّظَرِ لِغَيْرِهِمْ ط (قَوْلُهُ وَيَكُونُ بِالنَّفْيِ عَنْ الْبَلَدِ) وَمِنْهُ مَا مَرَّ مِنْ نَفْيِ الزَّانِي الْبِكْرِ وَنَفْيِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ لِافْتِتَانِ النِّسَاءِ بِجَمَالِهِ وَفِي النَّهْرِ عَنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ أَنَّ مَنْ آذَى النَّاسَ يُنْفَى عَنْ الْبَلَدِ (قَوْلُهُ وَبِالْهُجُومِ إلَخْ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute