للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ضَرَبَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَضَرَبَهُ الْمَضْرُوبُ) أَيْضًا (يُعَزَّرَانِ) كَمَا لَوْ تَشَاتَمَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي وَلَمْ يَتَكَافَآ كَمَا مَرَّ (وَيَبْدَأُ بِإِقَامَةِ التَّعْزِيرِ بِالْبَادِئِ) لِأَنَّهُ أَظْلَمُ قُنْيَةٌ. وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: جَازَ الْمُجَازَاةُ بِمِثْلِهِ فِي غَيْرِ مُوجِبِ حَدٍّ لِلْإِذْنِ بِهِ - {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: ٤١] وَالْعَفْوُ أَفْضَلُ {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠]- (وَصَحَّ حَبْسُهُ) وَلَوْ فِي بَيْتِهِ بِأَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْهُ نَهْرٌ (مَعَ ضَرْبِهِ) إذَا اُحْتِيجَ لِزِيَادَةِ تَأْدِيبٍ (وَضَرْبُهُ أَشَدَّ) لِأَنَّهُ خُفِّفَ عَدَدًا فَلَا يُخَفَّفُ وَصْفًا (ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) لِثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ (ثُمَّ حَدُّ الشُّرْبِ) لِثُبُوتِهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لَا بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الْحُدُودِ (ثُمَّ الْقَذْفُ) لِضَعْفِ سَبَبِهِ بِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْقَاذِفِ.

(وَعُزِّرَ كُلُّ مُرْتَكِبِ مُنْكَرٍ أَوْ مُؤْذِي مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ)

ــ

[رد المحتار]

وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ يُسْرِفُ فِيهِ غِلَظًا، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَكَافَآ) عَطْفٌ عَلَى يُعَزَّرَانِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُتَوَهَّمُ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى الْآتِي جَازَ الْمُجَازَاةُ بِمِثْلِهِ إلَخْ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا تَمَحَّضَ حَقًّا لَهُمَا وَأَمْكَنَ فِيهِ التَّسَاوِي، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ يَا خَبِيثُ فَقَالَ بَلْ أَنْتِ، بِخِلَافِ الضَّرْبِ فَإِنَّهُ يَتَفَاوَتُ، وَبِخِلَافِ التَّشَاتُمِ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّ فِيهِ هَتْكَ مَجْلِسِ الشَّرْعِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَهُ (قَوْلُهُ جَازَ الْمُجَازَاةُ بِمِثْلِهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ إمْكَانِ التَّسَاوِي، وَتَمَحُّضِ كَوْنِهِ حَقًّا لَهُمَا كَمَا قُلْنَا إذْ بِدُونِ ذَلِكَ لَا مُمَاثَلَةَ (قَوْلُهُ إذَا اُحْتِيجَ لِزِيَادَةِ تَأْدِيبٍ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَى أَنَّ أَكْثَرَ الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ وَهُوَ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ لَا يَنْزَجِرُ بِهَا أَوْ هُوَ فِي شَكٍّ مِنْ انْزِجَارِهِ بِهَا يَضُمُّ إلَيْهِ الْحَبْسَ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ صَلَحَ تَعْزِيرًا بِانْفِرَادِهِ حَتَّى لَوْ رَأَى أَنْ لَا يَضْرِبَهُ وَيَحْبِسَهُ أَيَّامًا عُقُوبَةً فَعَلَ فَتْحٌ.

قَالَ ط: وَصَحَّ الْقَيْدُ فِي السُّفَهَاءِ وَالدُّعَّارِ وَأَهْلِ الْإِفْسَادِ حَمَوِيٌّ عَنْ الْمِفْتَاحِ (قَوْلُهُ وَضَرْبُهُ أَشَدَّ) أَيْ أَشَدَّ مِنْ ضَرْبِ حَدِّ الزِّنَا. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا عُزِّرَ بِمَا دُونَ أَكْثَرِهِ وَإِلَّا فَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْ أَشَدِّ الضَّرْبِ فَوْقَ ثَمَانِينَ حُكْمًا فَضْلًا عَنْ أَرْبَعِينَ مَعَ تَنْقِيصِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشَدِّيَّةِ فَيَفُوتُ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ نَقَصَ كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ قَاسِمُ بْنُ قُطْلُوبُغَا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَإِطْلَاقُ الْأَشَدِّيَّةِ شَامِلٌ لِقُوَّتِهِ وَجَمْعِهِ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ فَلَا يُفَرِّقُ الضَّرْبَ فِيهِ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ أَوَّلَ الْبَابِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ: يُضْرَبُ التَّعْزِيرَ قَائِمًا بِثِيَابِهِ، وَيُنْزَعُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ وَلَا يُمَدُّ فِي التَّعْزِيرِ اهـ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِتَصْرِيحِ الْمَبْسُوطِ بِهِ بَحْرٌ وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْمَدِّ فِي حَدِّ الزِّنَا (قَوْلُهُ فَلَا يُخَفَّفُ وَصْفًا) كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَوَاتِ الْمَقْصُودِ بَحْرٌ أَيْ الِانْزِجَارِ (قَوْلُهُ ثُمَّ حَدُّ الزِّنَا) بِالرَّفْعِ لِحَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَالْأَصْلُ ثُمَّ ضَرْبُ حَدِّ الزِّنَا ط (قَوْلُهُ لَا بِالْقِيَاسِ) رَدٌّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ كَمَالٍ فِي هَامِشِ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ لِضَعْفِ سَبَبِهِ) أَيْ فَسَبَبُهُ مُحْتَمَلٌ وَسَبَبُ حَدِّ الشُّرْبِ مُتَيَقَّنٌ بِهِ وَهُوَ الشُّرْبُ وَالْمُرَادُ أَنَّ الشُّرْبَ مُتَيَقَّنُ السَّبَبِيَّةِ لِلْحَدِّ لَا مُتَيَقَّنُ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَهُمَا لَا يُوجِبَانِ الْيَقِينَ بَحْرٌ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَعُزِّرَ كُلُّ مُرْتَكِبِ مُنْكَرٍ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ التَّعْزِيرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.

مَطْلَبٌ التَّعْزِيرُ قَدْ يَكُونُ بِدُونِ مَعْصِيَةٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ حَصْرُ أَسْبَابِ التَّعْزِيرِ فِيمَا ذَكَرَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِدُونِ مَعْصِيَةٍ كَتَعْزِيرِ الصَّبِيِّ وَالْمُتَّهَمِ كَمَا يَأْتِي وَكَنَفْيِ مَنْ خِيفَ مِنْهُ فِتْنَةٌ بِجَمَالِهِ مَثَلًا، كَمَا مَرَّ فِي نَفْيِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ.

وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْحَاصِلَ وُجُوبُهُ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ لِكُلِّ مُرْتَكِبِ مَعْصِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ كَنَظَرٍ مُحَرَّمٍ وَمَسٍّ مُحَرَّمٍ وَخَلْوَةٍ مُحَرَّمَةٍ وَأَكْلِ رِبًا ظَاهِرٌ. اهـ. قُلْت: وَهَذِهِ الْكُلِّيَّةُ غَيْرُ مُنْعَكِسَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي مَعْصِيَةٍ فِيهَا حَدٌّ كَزِنَا غَيْرِ الْمُحْصَنِ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ حَدًّا وَلِلْإِمَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>