للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا إذَا كَانَ الْكَذِبُ ظَاهِرًا كَيَا كَلْبُ بَحْرٌ (وَلَوْ بِغَمْزِ الْعَيْنِ) أَوْ إشَارَةِ الْيَدِ لِأَنَّهُ غِيبَةٌ كَمَا يَأْتِي فِي الْحَظْرِ، فَمُرْتَكِبُهُ مُرْتَكِبُ مُحَرَّمٍ وَكُلُّ مُرْتَكِبِ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا، فِيهَا التَّعْزِيرُ أَشْبَاهٌ (فَيُعَزَّرُ) بِشَتْمِ وَلَدِهِ وَقَذْفِهِ وَ (بِقَذْفِ مَمْلُوكٍ) وَلَوْ أُمَّ وَلَدِهِ (وَكَذَا بِقَذْفِ كَافِرٍ) وَكُلِّ مَنْ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ (بِزِنًا) وَيَبْلُغُ بِهِ غَايَتَهُ، كَمَا لَوْ أَصَابَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ مُحَرَّمًا غَيْرَ جِمَاعٍ، أَوْ أَخَذَ السَّارِقُ بَعْدَ جَمْعِهِ لِلْمَتَاعِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ، وَفِيمَا عَدَاهَا لَا يَبْلُغُ غَايَتَهُ وَبِقَذْفِ: أَيْ بِشَتْمِ (مُسْلِمٍ) مَا (بِيَا فَاسِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْفِسْقِ) كَمَكَّاسٍ مَثَلًا أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِفِسْقِهِ لِأَنَّ الشَّيْنَ قَدْ أَلْحَقَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ قَبْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ فَتْحٌ (فَإِنْ أَرَادَ الْقَاذِفُ) إثْبَاتَهُ بِالْبَيِّنَةِ (مُجَرَّدًا) بِلَا بَيَانِ سَبَبِهِ.

ــ

[رد المحتار]

نَفْيُهُ سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. وَرَوَى أَحْمَدُ أَنَّ النَّجَاشِيَّ الشَّاعِرَ جِيءَ بِهِ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ ثُمَّ ضَرَبَهُ مِنْ الْغَدِ عِشْرِينَ، لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ ضَرَبَهُ الْعِشْرِينَ فَوْقَ الثَّمَانِينَ لِفِطْرِهِ فِي رَمَضَانَ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ: ضَرَبْنَاك الْعِشْرِينَ بِجَرَاءَتِك عَلَى اللَّهِ وَإِفْطَارِك فِي رَمَضَانَ اهـ فَالتَّعْزِيرُ فِيهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ جِهَةِ الْحَدِّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ الْكَذِبُ ظَاهِرًا إلَخْ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ غِيبَةٌ) ظَاهِرُهُ لُزُومُ التَّعْزِيرِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُ الْحَقِّ، لَكِنْ مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ مَا يَجِبُ حَقًّا لِلْعَبْدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى (قَوْلُهُ وَكُلُّ مُرْتَكِبِ مَعْصِيَةٍ) لَعَلَّهُ ذَكَرَهُ مَعَ إغْنَاءِ مَا قَبْلَهُ عَنْهُ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُنْكَرِ مَا لَا حَدَّ فِيهِ.

قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُعَزَّرُ مَنْ شَهِدَ شُرْبَ الشَّارِبِينَ وَالْمُجْتَمِعُونَ عَلَى شِبْهِ الشُّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبُوا، وَمَنْ مَعَهُ رِكْوَةُ خَمْرٍ وَالْمُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ، وَكَذَا الْمُسْلِمُ يَبِيعُ الْخَمْرَ وَيَأْكُلُ الرِّبَا. وَالْمُغَنِّي، وَالْمُخَنَّثُ، وَالنَّائِحَةُ يُعَزَّرُونَ وَيُحْبَسُونَ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً، وَمَنْ يُتَّهَمُ بِالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ يُحْبَسُ وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ إلَى أَنْ يُظْهِرَ التَّوْبَةَ، وَكَذَا مَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ عَانَقَهَا أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُعَزَّرُ بِشَتْمِ وَلَدِهِ) فِيهِ كَلَامٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ تَقَدَّمَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ) أَيْ إحْصَانِ الْقَذْفِ ط. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ لِعَدَمِ إحْصَانِهِ يُعَزَّرُ قَاذِفُهُ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْحَدِّ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ سُقُوطُ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ وَيَبْلُغُ بِهِ غَايَتَهُ) أَيْ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ سَوْطًا وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيُعَزَّرُ، وَمُقْتَضَاهُ بُلُوغُ الْغَايَةِ فِي شَتْمِ وَلَدِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ مُحَرَّمًا غَيْرَ جِمَاعٍ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا: كُلُّ مُحَرَّمٍ غَيْرِ جِمَاعٍ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ الْغَايَةَ بِمُجَرَّدِ لَمْسٍ أَوْ تَقْبِيلٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَفِيمَا عَدَاهَا) أَيْ مَا عَدَا هَذِهِ الْمَوَاضِعَ الثَّلَاثَ لَا يَبْلُغُ غَايَةَ التَّعْزِيرِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا تَبَعًا لِلْبَحْرِ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ غَيْرَهَا: مِنْهَا مَا فِي الدُّرَرِ، قِيلَ تَارِكُ الصَّلَاةِ يُضْرَبُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْهُ الدَّمُ. وَفِي الْحُجَّةِ: لَوْ ادَّعَى الْإِمَامُ أَنَّهُ كَانَ مَجُوسِيًّا لَا يُصَدَّقُ إلَّا أَنَّهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا شَدِيدًا اهـ أَيْ وَلَا يَلْزَمُ الْقَوْمَ إعَادَةُ الصَّلَاةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: مَنْ وَطِئَ غُلَامًا يُعَزَّرُ أَشَدَّ التَّعْزِيرِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ارْتَدَّتْ تُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَتُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ اهـ أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ أَكْثَرَهُ ذَلِكَ، أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ (قَوْلُهُ أَيْ بِشَتْمِ) إطْلَاقُ الْقَذْفِ عَلَى الشَّتْمِ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مُسْلِمٍ مَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورًا، وَسَيَأْتِي أَنَّ الذِّمِّيَّ كَالْمُسْلِمِ (قَوْلُهُ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِفِسْقِهِ) هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْفَتْحِ، بَلْ ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ مِنْ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِلَا بَيَانِ سَبَبِهِ) مِثْلُ أَنَّهُ فَاسِقٌ، وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مُجَرَّدًا. وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ بَيَّنَ سَبَبًا شَرْعِيًّا كَتَقْبِيلِ أَجْنَبِيَّةٍ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ.

مَطْلَبٌ فِي الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ قُلْت: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ عَنْ إثْبَاتِ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ، مِثْلُ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى شُهُودِ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا أَوْ شَرَبَةُ الْخَمْرِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>