حَتَّى لَوْ بَيَّنُوا فِسْقَهُ بِمَا فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ قُبِلَتْ وَكَذَا فِي جَرْحِ الشَّاهِدِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِي عَنْ سَبَبِ فِسْقِهِ، فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبًا شَرْعِيًّا كَتَقْبِيلِ أَجْنَبِيَّةٍ وَعِنَاقِهَا وَخَلْوَتِهِ بِهَا طَلَبَ بَيِّنَةً لِيُعَزِّرَهُ، وَلَوْ قَالَ هُوَ تَرْكُ وَاجِبٍ سَأَلَ الْقَاضِي الْمَشْتُومَ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُهُ مِنْ الْفَرَائِضِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا ثَبَتَ فِسْقُهُ، لِمَا فِي الْمُجْتَبَى: مَنْ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ بِالْفِقْهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَالْمُرَادُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُهُ مِنْهُ نَهْرٌ.
(وَعُزِّرَ) الشَّاتِمُ (بِيَا كَافِرُ) وَهَلْ يَكْفُرُ إنْ اعْتَقَدَ الْمُسْلِمَ كَافِرًا؟ نَعَمْ وَإِلَّا لَا بِهِ يُفْتَى شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ، وَلَوْ أَجَابَهُ لَبَّيْكَ كَفَرَ خُلَاصَةٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، قِيلَ لَا يُعَزَّرُ مَا لَمْ يَقُلْ يَا كَافِرُ بِاَللَّهِ لِأَنَّهُ كَافِرٌ بِالطَّاغُوتِ فَيَكُونُ مُحْتَمَلًا (يَا خَبِيثُ يَا سَارِقُ يَا فَاجِرُ يَا مُخَنَّثُ يَا خَائِنُ) يَا سَفِيهُ يَا بَلِيدُ يَا أَحْمَقُ يَا مُبَاحِي يَا عَوَانِي (يَا لُوطِيُّ) وَقِيلَ يُسْأَلُ، فَإِنْ عَنَى أَنَّهُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يُعَزَّرُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ عُزِّرَ عِنْدَهُ وَحُدَّ عِنْدَهُمَا وَالصَّحِيحُ تَعْزِيرُهُ لَوْ فِي غَضَبٍ أَوْ هَزْلٍ فَتْحٌ (يَا زِنْدِيقُ) يَا مُنَافِقُ يَا رَافِضِيٌّ.
ــ
[رد المحتار]
فَعُلِمَ أَنَّ ثُبُوتَ الْحَدِّ غَيْرُ لَازِمٍ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا حَقَّقْنَاهُ آنِفًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُجَرَّدِ هُنَا مَا لَمْ يُبَيَّنْ سَبَبُهُ لَا مَا لَمْ يَثْبُتْ ضِمْنًا (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ بَيَّنُوا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ بِلَا بَيَانِ سَبَبِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي جَرْحِ الشَّاهِدِ) قَدْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي إلَخْ) قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِيُعَزِّرَهُ) أَيْ يُعَزِّرَ الْمَقْذُوفَ وَيُسْقِطَ التَّعْزِيرَ عَنْ الْقَاذِفِ (قَوْلُهُ سَأَلَ الْقَاضِي الْمَشْتُومَ) أَيْ وَلَا يَطْلُبُ مِنْ الشَّاتِمِ الْبَيِّنَةَ فِي مِثْلِ هَذَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مِنْ الْفَرَائِضِ) أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْوَاجِبَاتِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ (قَوْلُهُ ثَبَتَ فِسْقُهُ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ التَّعْزِيرُ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُعَزَّرُ كُلُّ مُرْتَكِبِ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا
(قَوْلُهُ بِيَا كَافِرُ) لَمْ يُقَيَّدْ بِكَوْنِ الْمَشْتُومِ بِذَلِكَ مُسْلِمًا لِمَا يَذْكُرُهُ بَعْدُ (قَوْلُهُ إنْ اعْتَقَدَ الْمُسْلِمَ كَافِرًا نَعَمْ) أَيْ يَكْفُرُ إنْ اعْتَقَدَهُ كَافِرًا لَا بِسَبَبٍ مُكَفِّرٍ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِي الذَّخِيرَةِ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الشَّتْمَ وَلَا يَعْتَقِدُهُ كُفْرًا لَا يَكْفُرُ وَإِنْ اعْتَقَدَهُ كُفْرًا فَخَاطَبَهُ بِهَذَا بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ كَافِرٌ يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَقَدَ الْمُسْلِمَ كَافِرًا فَقَدْ اعْتَقَدَ دِينَ الْإِسْلَامِ كُفْرًا. اهـ. (قَوْلُهُ كَفَرَ) أَيْ؛ لِأَنَّ إجَابَتَهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ كَافِرٌ فَيُؤَاخَذُ بِهِ لِرِضَاهُ بِالْكُفْرِ ظَاهِرًا إلَّا إذَا كَانَ مُكْرَهًا. وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا بِأَنَّهُ كَافِرٌ بِالطَّاغُوتِ مَثَلًا فَلَا يَكْفُرُ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُحْتَمَلًا) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَيَرْجِعُ خِلَافُهُ حَالَةَ السَّبِّ، فَلِذَا أَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ يَا فَاجِرُ) يُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ بِمَعْنَى الْكَافِرِ وَالزَّانِي، وَفِي عُرْفِنَا الْيَوْمَ بِمَعْنَى كَثِيرِ الْخِصَامِ وَالْمُنَازَعَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَفَادَ بِعَطْفِهِ يَا فَاجِرُ عَلَى يَا فَاسِقُ التَّغَايُرَ بَيْنَهُمَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ أَقَامَ مُدَّعِي الشَّتْمِ شَاهِدَيْنِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ وَالْآخَرُ عَلَى أَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا فَاجِرُ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ يَا مُخَنَّثُ) بِفَتْحِ النُّونِ، أَمَّا بِكَسْرِهَا فَمُرَادِفٌ لِلُّوطِيِّ نَهْرٌ وَقِيلَ الْمُخَنَّثُ مَنْ يُؤْتَى كَالْمَرْأَةِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى. وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ الْإِشَارَاتِ أَنَّ كَسْرَ النُّونِ أَفْصَحُ وَالْفَتْحَ أَشْهَرُ، وَهُوَ مَنْ خُلُقُهُ خُلُقُ النِّسَاءِ فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَهَيْئَاتِهِ وَكَلَامِهِ. فَإِنْ كَانَ خِلْقَةً فَلَا ذَمَّ فِيهِ، وَمَنْ يَتَكَلَّفُهُ فَهُوَ الْمَذْمُومُ
(قَوْلُهُ يَا خَائِنُ) هُوَ الَّذِي يَخُونُ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأَمَانَاتِ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ يَا سَفِيهُ) هُوَ الْمُبَذِّرُ الْمُسْرِفُ وَفِي عُرْفِنَا الْيَوْمَ بِمَعْنَى بَذِيءِ اللِّسَانِ (قَوْلُهُ يَا بَلِيدُ) إنَّمَا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْخَبِيثِ الْفَاجِرِ نَهْرٌ عَنْ السِّرَاجِ. قُلْت: وَهُوَ فِي الْعُرْفِ الْيَوْمَ بِمَعْنَى قَلِيلِ الْفَهْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَزَّرَ بِهِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ: وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يُشْبِهُ يَا أَبْلَهُ وَلَمْ يُعَزِّرُوا بِهِ (قَوْلُهُ يَا أَحْمَقُ) بِمَعْنَى نَاقِصِ الْعَقْلِ سَيِّئِ الْأَخْلَاقِ (قَوْلُهُ يَا مُبَاحِي) هُوَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا مُبَاحَةٌ (قَوْلُهُ يَا عَوَانِي) هُوَ السَّاعِي إلَى الْحَاكِمِ بِالنَّاسِ ظُلْمًا (قَوْلُهُ أَوْ هَزْلٍ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ قُلْت: أَوْ هَزْلِ مَنْ تَعَوَّدَ بِالْهَزْلِ بِالْقَبِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَا زِنْدِيقُ يَا مُنَافِقُ) الْأَوَّلُ هُوَ مَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ، وَالثَّانِي هُوَ مَنْ يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الرِّدَّةِ عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ يَا رَافِضِيٌّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ يَا رَافِضِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute